كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات ونسبه وأخباره

صفحة 66 - الجزء 5

  فقال له: هذا كلام مكافئ ليس بعاشق، القرشيان أقنع وأصدق منك: ابن أبي ربيعة حيث يقول:

  ليت حظَّي كلحظة العين منها ... وكثير منها القليل المهنّا

  وقوله أيضا:

  فعدي نائلا وإن لم تنيلي ... إنه يقنع المحبّ الرجاء

  / وابن قيس الرقيّات حيث يقول:

  رقيّ بعيشكم لا تهجرينا ... ومنّينا المنى ثم امطلينا

  عدينا في غد ما شئت إنّا ... نحبّ وإن مطلت الواعدينا

  فإمّا تنجزي عدتي وإمّا ... نعيش بما نؤمّل منك حينا

  قال: فذكرت ذلك لأبي السائب المخزوميّ ومعه ابن المولى، فقال: صدق ابن أبي عتيق وفّقه اللَّه، ألا قال المديون كثيّر كما قال هذا حيث يقول:

  وأبكي فلا ليلى بكت من صبابة ... لباك ولا ليلى لذي الودّ تبذل

  واخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذي أتنصّل

  صادف رقية بنت عبد الواحد في الطواف فشبب بها:

  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال سمعت عبيدة بن أشعب بن جبير قال حدّثني أبي قال حدّثني فند مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص قال:

  حجّت رقيّة بنت عبد الواحد بن أبي سعد العامريّة، فكنت آتيها وأحدّثها فتستظرف⁣(⁣١) حديثي وتضحك منّي؛ فطافت ليلة / بالبيت ثم أهوت لتستلم الركن الأسود وقبّلته، وقد طفت مع عبيد اللَّه بن قيس الرقيّات، فصادف فراغنا فراغها ولم أشعر بها، فأهوى ابن قيس يستلم الركن الأسود ويقبّله، فصادفها قد سبقت إليه، فنفحته⁣(⁣٢) بردنها فارتدع؛ وقال لي: من هذه؟ فقلت: أو لا تعرفها! هذه رقيّة بنت عبد الواحد بن أبي سعد؛ فعند ذلك قال:

  من عذيري ممن يضن بمبذو ... ل لغيري عليّ عند الطَّواف

  / يريد أنها تقبّل الحجر الأسود وتضنّ عنه بقبلتها. وقال في ذلك:

  حدّثوني هل على رجل ... عاشق في قبلة حرج

  وفيه غناء ينسب بعد هذا الخبر. قال: ولما نفحته بردنها فاحت منه رائحة المسك حتى عجب من في المسجد، وكأنما فتحت بين أهل المسجد لطيمة⁣(⁣٣) عطَّار، فسبّح من حول البيت. قال: وقال فند: فقلت بعد انصرافها لابن قيس: هل وجدت رائحة ردنها لشيء طيبا؟ فعند ذلك قال أبياته التي يقول فيها:


(١) في ط، ء، م: «فتستّطرف» بالطاء المهملة.

(٢) نفحته: أصابته. والردن: الكم، وقيل: مقدمه، وقيل: أصله. والردع: أثر الطيب، وارتدع: تطيب بالطيب.

(٣) اللطيمة: وعاء المسك.