8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره
  وقال يحيى بن عليّ في خبره: إنه كان لإبراهيم لما مات أبوه سنتان أو ثلاث، وخلَّف معه أخوين له من غير أمّه أكبر منه، فأقام إبراهيم مع أمّه وأخواله حتى ترعرع، فكان مع ولد خزيمة بن خازم في الكتّاب(١)، فبهذا السبب صار ولاؤه لبني تميم. وسأله الرشيد فقال: ما السبب بينك وبين بني تميم؟ فاقتصّ عليه قصّته، / وقال: ربّونا يا أمير المؤمنين فأحسنوا تربيتنا، ونشأت فيهم وكان بيننا وضاع، فتولَّونا بهذا السبب؛ فقال له الرشيد: ويحك! فما أراك إذا إلَّا مولاي؛ فقال: فهذه واللَّه قصّتي يا أمير المؤمنين.
  ما قيل في سبب نسبته إلى الموصل:
  قال يحيى بن عليّ في خبره: وكان سبب قولهم إبراهيم الموصليّ أنه لما نشأ واشتدّ(٢) وأدرك، صحب الفتيان واشتهى الغناء طلبه، واشتدّ أخواله عليه في ذلك وبلغوا(٣) منه، فهرب منهم إلى الموصل، فأقام بها نحوا من سنة، فلما رجع إلى الكوفة قال له إخوانه من الفتيان: مرحبا بالفتى الموصليّ، فلقّب به(٤). وقال أحمد في خبره: إن سبب طلبه الغناء أنه خرج إلى الموصل، فصحب جماعة من الصعاليك كانوا يصيبون الطريق ويصيبه معهم، ويجمعون ما يفيدونه فيقصفون(٥) ويشربون ويغنّون، فتعلَّم منهم شيئا من الغناء وشدا، فكان أطيبهم وأحذقهم، فلمّا أحسّ بذلك من نفسه اشتهى الغناء وطلبه وسافر إلى المواضع البعيدة فيه. وذكر ابن خرداذبه(٦)
(١) قال الجوهري في «الصحاح»: «الكتاب والمكتب واحد وجمعه كتاتيب». ونقل صاحب «اللسان» هذا القول ثم نقل عن المبرد قوله:
إن من جعل الموضع الكتاب فقد أخطأ، وقال: المكتب: موضع التعليم والكتاب: الصبيان. وذكر شارح «القاموس» عن شرح الشفاء أن استعمال الكتاب للمكتب وارد في كلامهم وأنه استفاض بهذا المعنى كقوله:
وأتى بكتاب لو انبسطت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب
(انظر «الصحاح» و «الأساس» و «اللسان» و «القاموس» و «شرحه» مادة كتب).
(٢) اشتد: قوي وهذه الكلمة مثبتة في م، س وساقطة من باقي النسخ.
(٣) أي استقصوا في إيذائه وتعنيفه.
(٤) في ط، م، ء: «فلجت عليه»، يريد: لصقت به وغلبت عليه.
(٥) يقصفون: يرقصون ويلعبون. وفي «القاموس» و «شرحه»: «وأما القصف من اللهو واللعب فغير عربيّ. ونص» الصحاح «يقال: إنها مولدة. وقال ابن دريد في الجمهرة: فأما القصف من اللهو فلا أحسبه عربيا صحيحا، وهكذا نقله الصاغاني. ويقال: هو الجلبة والإعلان باللهو. وفي الأساس: هو الرقص مع الجلبة ... إلخ».
(٦) يلاحظ أن المؤلف وصف ابن خرداذبه بهذه العبارة في غير موضع من كتابه، مع أن ابن النديم ذكر ابن خرداذبه ومؤلفاته في كتابه «الفهرست» (ص ١٤٩ طبع أوروبا) ولم يتهمه أو يصفه بقلة التحصيل وضعف الرواية وخصوصا كتابه: «المسالك والممالك» المطبوع بمدينة ليدن سنة ١٣٠٦ هـ فإنه معدود من المصادر القيمة التي يعوّل عليها ويوثق بها. وقد اعتمد عليه في النقل ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان». ووصفه المسعودي المؤرّخ المشهور - وهو من معاصري ابن خرداذبه وأبي الفرج - في مقدمة كتابه «التنبيه والإشراف» (ص ٧٥ طبع مدينة ليدن) بقوله: ... وأبو القاسم عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن خرداذبه في كتاب المعروف» بالمسالك والممالك «، وهو أعم هذه الكتب شهرة في خواص الناس وعوامهم في وقتنا هذا».
ولعل سبب هذه الخصومة التي حملت أبا الفرج على أن يتحامل على ابن خرداذبه هو المنافسة والمعاصرة. وقد وصف المسعودي المنافسة والحسد بين المعاصرين في مقدّمة كتابه «التنبيه والإشراف» (ص ٧٦، ٧٧) بقوله: «على أن من شيم كثير من الناس الإطراء للمتقدّمين وتعظيم كتب السالفين، ومدح الماضي وذم الباقي، وإن كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة. وقد ذكر أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: أنه كان يؤلف الكتاب الكثير المعاني الحسن النظم، فينسبه إلى نفسه فلا يرى الأسماع تصغي إليه، ولا الإرادات تيمم نحوه؛ ثم يؤلف ما هو أنقص منه مرتبة وأقل فائدة، ثم ينحله عبد اللَّه ابن المقفع أو سهل بن هارون أو غيرهما من المتقدّمين ومن قد طارت أسماؤهم في المصنفين، فيقبلون على كتبها ويسارعون إلى نسخها، لا لشيء إلا لنسبتها إلى المتقدّمين، ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو في عصرهم ومنافسته على المناقب التي يخص بها ويعني بتشييدها. وهذه طائفة لا يعبأ بها كبار الناس، وإنما العمل على ذوي النظر والتأمل الذين أعطوا كل شيء حقه من العدل، ووفوه قسطه من الحق،