8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره
  - وهو قليل التحصيل لما يقوله ويضمّنه كتبه - أن سبب نسبته إلى الموصل أنه كان إذا سكر، كثيرا ما يغنّي على سبيل الولع:
  /
  أناجت من طرق موصل ... أحمل قلل خمريا(١)
  من شارب الملوك فلا ... بدّ من سكريا
  وما سمعت بهذه الحكاية إلا عنه؛ وإنما ذكرتها على غثاثتها لشهرتها عند الناس، وأنها عندهم كالصحيح من الرواية في نسبة إبراهيم إلى الموصل، فذكرته دالَّا على عواره.
  أخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ وابن أبي الأزهر قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: أسلم أبي إلى الكتّاب فكان لا يتعلَّم شيئا، ولا يزال يضرب ويحبس ولا ينجع ذلك فيه، فهرب إلى الموصل وهناك تعلَّم الغناء، ثم صار إلى الرّي وتعلَّم بها أيضا، ومهر وتزوّج هناك امرأته دوشار - وتفسير هذا الاسم أسدان(٢) - / وطال مقامه هناك، وأخذ الغناء الفارسيّ والعربيّ، وتزوّج بها أيضا شاهك أمّ إسحاق ابنه وسائر ولده. قال: وفي دوشار هذه يقول إبراهيم، وله فيه غناء من الهزج:
  دوشار يا سيّدتي ... يا غايتي ومنيتي
  ويا سروري من جمي ... ع الناس ردّي سنتي
  أوّل مال وصله على الغناء من خادم لأبي جعفر، أنفقه في تعلم صنعة الغناء:
  قال إسحاق وحدّثني أبي قال: أوّل شيء أعطيته بالغناء أنّي كنت بالرّيّ أنادم أهلها بالسّويّة لا أرزؤهم شيئا، ولا أنفق إلا من بقيّة مال كان معي انصرفت به من الموصل؛ فمرّ بنا خادم أنفذه أبو جعفر المنصور إلى بعض عمّاله برسالة، فسمعني عند رجل من أهل الرّيّ، فشغف بي وخلع عليّ دوّاج سمّور(٣)، له قيمة، ومضى بالرسالة ورجع وقد وصله العامل بسبعة آلاف درهم وكساه كسوة كثيرة، فجاءني إلى منزلي الذي كنت أسكنه فأقام عندي ثلاثة أيام، ووهب لي نصف الكسوة التي معه وألفي درهم، فكان ذلك أوّل ما اكتسبته بالغناء، فقلت: واللَّه لا أنفق هذه الدراهم إلا على الصناعة التي أفادتنيها، ووصف لي رجل بالأبلَّة(٤) يقال له جوانويه(٥) كان حاذقا، فخرجت إليه وصحبت فتيانها، فأخذت عنهم وغنيّتهم فشغفوا بي.
  قصته مع جوانويه الذي أراد أن يتعلم منه ثم سبب اتصاله بالمهدي:
  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن جدّه قال:
فلم يرفعوا المتقدّم إذ كان ناقصا، ولم ينقصوا المتأخر إذ كان زائدا، فلمثل هؤلاء تصنف الكتب وتدوّن العلوم «اه.
(١) لعل هذا الشعر من لغة العامة في ذلك العهد ك «الأغاني» التي يتغنى بها العامة الآن.
(٢) الأسد بالفارسية: «شر». ولعل «شار» لغة أو لهجة في هذه اللفظة. و «دو» بمعنى اثنين.
(٣) دوّاج سمور: ضرب من الثياب يتخذ من جلد حيوان يشبه السنور وهي فراء ثمينة تتخذ للينها وخفتها وإدفائها وحسنها. وفي س:
«دراج سمور» بالراء، وهو تحريف.
(٤) الأبلة (بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام وفتحها): بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة، لأن البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب ¥، وكانت الأبلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى وقائد.
(٥) في م: «خولويه».