8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره
  لما أتيت جوانويه لم أصادفه في منزله، فانتظرته حتى جاء، فلمّا رآني احتشمني وكان مجوسيّا، فأخبرته بصناعتي والحال التي قصدته فيها؛ فرحّب بي وأفرد لي جناحا في داره، ووكلّ بي أخته(١)، فقدّمت إليّ ما أحتاج إليه؛ فلما كان العشيّ عاد إلى منزله ومعه جماعة من الفرس ممّن يغنّي، فنزلت إليه، فجلسنا في مجلس قد صفّي(٢) لنا فيه نبيذ وأعدّت لنا فاكهة ورياحين، فجلسنا وأخذوا في شأنهم وضربوا وغنّوا، فلم أجد عند أحد منهم فائدة؛ وبلغت النّوبة إليّ، فضربت وغنّيت، فقاموا كلَّهم إليّ وقبّلوا رأسي، وقالوا: سخرت منّا، نحن إلى تعليمك وأمرني بملازمته؛ فقلت له: أيها الأمير، إن لست أتكسّب بالغناء وإنما ألتذّه فلذلك تعلَّمته، وأريد العود إلى الكوفة، فلم أنتفع بذلك عنده وأخذني بملازمته، وسألني: من أين أنا؟ فانتسبت إلى الموصل، فلزمتني وعرفت بها؛ ولم أزل عنده أثيرا مكرّما حتى قدم عليه خادم من خدم المهديّ، فلما رآني عنده قال له: أمير المؤمنين أحوج إلى هذا منك، فدافعه عنّي؛ فلما قدم الرسول على المهديّ سأله عما رأى في طريقه ومقصده، فأخبره بذلك حتى انتهى إلى ذكري فوصفني له؛ فأمره المهديّ بالرجوع إلى محمد وإشخاصي إليه، ففعل ذلك وجاء فأشخصني إلى المهديّ، فحظيت عنده وقدّمني.
  أوّل هاشميّ صحبه وأوّل خليفة سمعه:
  قال وسواسة في خبره عن إسحاق فحدّثني أبي قال:
  / كان أوّل هاشميّ صحبته(٣) عليّ بن سليمان بن عليّ أخو جعفر ومحمد، وكان فتاهم ظرفا ولهوا وسماحة، ووصفني له جوانويه ومضى بي إليه، فوقعت من قلبه كلّ موقع. وأوّل خليفة سمعني المهديّ، وصفت له فأخذني من عليّ بن سليمان، وما سمع قبلي من المغنّين أحدا سوى فليح بن أبي العوراء وسياط، فإن الفضل بن الرّبيع وصلهما به.
  نهاه المهدي عن الشرب ومصاحبة ابنيه موسى وهارون فلما أبى ضربه وحبسه:
  قال إسحاق: فحدّثني أبي قال: كان المهديّ لا يشرب فأرادني على ملازمته وترك الشرب فأبيت عليه، وكنت أغيب عنه الأيام، فإذا جئته جئته منتشيا، فغاظه ذلك منّي فضربني وحبسني، فحذقت الكتابة والقراءة في الحبس، ثم دعاني يوما فعاتبني على شربي في منازل الناس والتّبذّل معهم؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما تعلَّمت / هذه الصناعة للذّتي وعشرتي لإخواني، ولو أمكنني تركها لتركتها وجميع ما أنا فيه للَّه جلّ وعزّ؛ فغضب غضبا شديدا وقال: لا تدخل على موسى وهارون البتّة، فو اللَّه لئن دخلت عليهما لأفعلنّ ولأصنعنّ؛ فقلت: نعم؛ ثم بلغه أني دخلت عليهما وشربت معهما، وكانا مستهترين بالنبيذ، فضربني ثلاثمائة سوط، وقيّدني وحبسني.
  قال أحمد بن إسماعيل في خبره قال عمّي إسحاق فحدّثني أبي:
  أنه كان معهما في نزهة لهما ومعهم أبان الخادم، فسعى بهما وبي إلى المهديّ وحدّثه بما كنّا فيه، فدعاني
(١) في م: «جارية».
(٢) في «مختار الأغاني» لابن منظور (ص ١٠٣ طبع مصر): «هيء».
(٣) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «عيسى»، وهو تحريف. (راجع «المعارف» لابن قتيبة ص ١٩٠).