8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره
  فسألني فأنكرت، فأمر بي فجرّدت فضربت ثلاثمائة وستين سوطا؛ فقلت له وهو يضربني: إن جرمي ليس من الأجرام التي يحلّ لك بها سفك / دمي، واللَّه لو كان سرّ ابنيك تحت قدميّ ما رفعتهما عنه ولو قطعتا، ولو فعلت ذلك لكنت في حالة أبان السّاعي العبد؛ فلمّا قلت له هذا ضربني بالسيف في جفنه(١) فشجّني به، وسقطت مغشيّا عليّ ساعة، ثم فتحت عينيّ فوقعتا على عيني المهديّ، فرأيتهما عيني نادم؛ وقال لعبد اللَّه بن مالك: خذه إليك.
  قال: وقبل ذلك ما تناول عبد اللَّه بن مالك السوط من يد سلَّام الأبرش فضربني، فكان ضرب عبد اللَّه عندي بعد ضرب سلَّام عافية، ثم أخرجني عبد اللَّه إلى داره وأنا أرى الدنيا في عيني صفراء وخضراء [وحمراء](٢) من حرّ السّوط، وأمره أن يتّخذ لي شبيها بالقبر فيصيّرني فيه؛ فدعا عبد اللَّه بكبش فذبح وسلخ وألبسني جلده ليسكن الضرب، ودفعني إلى خادم له يقال له أبو عثمان سعيد التركيّ فصيّرني في ذلك القبر، ووكَّل بي جارية له يقال لها جشّة(٣)؛ فتأذّيت ينزّكان في ذلك(٤) القبر وبالبقّ، وكان فيه حليّ(٥) أستريح إليه، فقلت لجشّة: اطلبي لي آجرّة عليها فحم وكندر(٦) يذهب عنّي هذا البقّ، فأتتني بذلك، فلما دخّنت أظلم القبر عليّ وكادت نفسي تخرج من الغمّ، فاسترحت من أذاه إلى النّزّ فألصقت به أنفي حتى خفّ الدّخان، فلمّا ظننت أني قد استرحت ممّا كنت فيه، إذا حيّتان مقبلتان نحوي من شقّ القبر تدوران حولي بحفيف شديد، فهممت أن آخذ واحدة بيدي اليمنى والأخرى بيدي / اليسرى فإمّا عليّ وإمّا لي، ثم كفيتهما، فدخلتا من الثّقب الذي خرجتا منه، فمكثت في ذلك القبر ما شاء اللَّه، ثم أخرجت منه؛ ووجّهت إلى أبي عثمان الخادم أسأله أن يبيعني جشّة لأكافئها عمّا أولتني ففعل، فزوّجتها من حاجب لي، ولم تزل عندنا. قال إسحاق: مكثت عندنا حتى ماتت، وبقيت بنت لها يقال لها جمعة، فزوّجتها من مولى لي في سنة أربع وثلاثين ومائتين.
  قال إبراهيم: وقلت في الحبس [وأنا مقيّد](٧):
  ألا طال ليلي أراعي النجوم ... أعالج في السّاق كبلا ثقيلا
  بدار الهوان وشرّ الديار ... أسام بها الخسف صبرا جميلا
  كثيرا الأخلَّاء عند الرّخاء ... فلمّا حبست أراهم قليلا
  لطول بلائي ملّ الصديق ... فلا يأمننّ خليل خليلا
  صنع وهو في الحبس لحنا في شعر أبي العتاهية:
  قال: ثم أخرجني المهديّ وأحلفني بالطَّلاق والعتاق وكلّ يمين لا فسحة لي فيها ألَّا أدخل على ابنيه موسى
(١) جفن السيف: غمده.
(٢) زيادة عن م.
(٣) في ح: «حسنة».
(٤) كذا في م، وهو قريب مما جاء في «مختار الأغاني» لابن منظور (ص ١٠٤ طبع مصر) فقد ذكر فيه: «فتأذيت بنتن كان في ذلك القبر وبالبق». وفي سائر الأصول: «فتأذيت بنز عيسى باذ وبالبق في ذلك القبر». وعيسى باذ: محلة كانت بشرقي بغداد منسوبة إلى عيسى بن المهدي، وكانت إقطاعا له.
(٥) كذا في ط، ء. والحليّ (وزان غني): يبيس ضرب من الكلأ يسمى النصيّ، وفي سائر الأصول: «وكان فيه خلاء».
(٦) الكندر (بضم فسكون فضم): اللبان الذكر.
(٧) زيادة عن ح.