8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره
  لقي الفضل بن يحيى أبي وهو خارج من عند الفضل بن الرّبيع، وكانا متجاورين في الشّمّاسيّة(١)، فقال: من أين يا أبا إسحاق؟ أمن عند الفضل بن الربيع؟ قلت: نعم، غير معتذر من ذلك؛ فقال: خروج من عند الفضل بن الربيع إلى الفضل بن يحيى! هذان واللَّه أمران لا يجتمعان لك! فقال: واللَّه لئن لم يكن فيّ ما يتّسع لكما حتى يكون الوفاء لكما جميعا واحدا ما فيّ خير، واللَّه لا أترك واحدا منكما / لصاحبه، فمن قبلني على هذا قبلني، ومن لم يقبلني فهو أعلم؛ فقال له الفضل بن يحيى: أنت عندي غير متّهم، والأمر كما قلت، وقد قبلتك على ذلك.
  كان في الحبس فذكر للرشيد فأحضره فغناه فوصله:
  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال حدّثني أبي:
  أن الرشيد غضب عليه فقيّده وحبسه بالرّقّة(٢)، ثم جلس للشرب يوما في مجلس قد زيّنه وحسّنه، فقال لعيسى بن جعفر: هل لمجلسنا عيب؟ قال: نعم، غيبة إبراهيم الموصلَّي عنه؛ فأمر بإحضاري فأحضرت في قيودي، ففكَّت عنّي بين يديه، وأمرهم فناولوني عودا وقال: غنّني يا إبراهيم؛ فغنّيته:
  تضوّع مسكا بطن(٣) نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات(٤)
  فاستعاده وشرب وطرب، وقال: هنأتني يومي وسأهنئك بالصّلة، وقد وهبت لك الهنيء والمريء(٥)؛ فانصرفت، فلما أصبحت عوّضت منهما مائتي ألف درهم.
  نسبة هذا الصوت
  صوت
  تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
  مررن بفخّ(٦) رائحات عشيّة ... يلبّين للرّحمن معتمرات
  / يخمّرن(٧) أطراف البنان من التّقي ... ويقتلن بالألحاظ مقتدرات(٨)
(١) الشماسية: محلة مجاورة لدار الروم التي في أعلى مدينة بغداد وإليها ينسب باب الشماسية. وفيها كانت دار معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه.
(٢) الرقة: مدينة على الجانب الشرقي من الفرات بينها وبين حرّان ثلاثة أيام.
(٣) بطن نعمان: واد بين مكة والطائف كثير الأراك.
(٤) في م: «عطرات».
(٥) يريد أنه أقطعه ضيعتهما؛ والهنئ والمريء كما في ياقوت: نهران بإزاء الرقة والرافقة حفرهما هشام بن عبد الملك وأحدث فيهما مدينة «واسط الرقة». قال ياقوت نقلا عن البلاذري: ثم إن تلك الضيعة (أعني الهنيء والمريء) قبضت في أوّل الدولة العباسية وانتقلت إلى أم جعفر وزادت في عمارتها، ثم قال: وهما يسقيان عدّة بساتين، مستمدها من الفرات ومصبهما فيه.
(٦) فخ: موضع بينه وبين مكة ثلاثة أميال؛ روى أن النبيّ ﷺ اغتسل به قبل دخوله مكة، وبه كانت وقعة الحسين وعقبة، وبه مقابر المهاجرين كل من جاور بمكة منهم فمات يوارى هناك. («معجم ما استعجم» للبكري).
(٧) يخمرن: يغطين.
(٨) روى المبرد هذا البيت في الكامل هكذا:
يخبئن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن شطر الليل معتجرات
ومعتجرات: مختمرات بالمعاجر، والمعجر: ثوب تشده المرأة على رأسها.