8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره
  مع الجائزة دابّة بسرجه ولجامه(١)، ولن تنصرف الليلة إلا على مثله، فقمت فقبّلت يده؛ فأمر لي بألفي دينار آخرين، وقال: تلك الكرّة شكرت على الجائزة بكلام فزدناك، والآن شكرت بفعل أوجب الزيادة، ولولا أنّي مضيق في هذا الوقت لضاعفتها، ولكنّ الدهر بيننا مستأنف جديد.
  غنى الرشيد في طريقه إلى طوس بشعر له فاستحسن الغناء دون الشعر:
  حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللَّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه قال:
  / لمّا نزل الرشيد في طريقه إلى طوس(٢) بشبداز(٣) جلس يشرب عنده، فكان إبراهيم الموصليّ أوّل من غنّاه، فابتدأ بهذا الصوت، والشعر له:
  صوت
  رأيت الدّين والدّنيا ... مقيمين بشبداز
  أقاما بين(٤) حجّاج ... وغاز أيّما غاز
  - وهو من الثقيل الأوّل - فأمر له بألف دينار، ولم يستحسن الشعر، وقال له: يا إبراهيم صنعتك فيه أحسن من شعرك؛ فخجل وقال: يا سيّدي شغل خاطري الغناء فقلت لوقتي ما حضرني؛ فضحك الرشيد من قوله وقال له:
  صدقت.
  كان كثير الأصدقاء من الأشراف:
  أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
  كان جدّك محبّا للأشراف كثير الأصدقاء منه، حتى إن كان الرشيد ليقول كثيرا: ما أعرف أحدا أكثر أصدقاء من إبراهيم.
  كان مع الغناء كاتبا وشاعرا وخطيبا:
  قال إسحاق: وما سمعت أحسن غناء من أربعة: أبي، وحكم الوادي، وفليح ابن أبي العوراء، وسياط؛ فقلت له: وما بلغ من حذقهم؟ قال: كانوا يصنعون فيحسنون، ويؤدّون غناء غيرهم فيحسنون؛ فقلت: فأيّهم كان أحذق؟ قال: كانوا / بمنزلة خطيب أو كاتب أو شاعر يحسن صناعته، فإذا انتقل عنها إلى غيرها لم يبلغ منها ما
(١) كذا في ط، ء، وهو الذي يوافق الضمير في: «إلا على مثله». وفي باقي الأصول: «بسرجها ولجامها».
(٢) طوس (بضم أوّله وسين مهملة): مدينة معروفة ما بين الريّ ونيسابور في أوّل عمل خراسان وفيها دفن هارون الرشيد. قال ابن حوقل: وعلى ربع فرسخ منها قبر علي بن موسى الرضا.
(٣) كذا في ط، ء. وشبداز: موضع بين حلوان وقرميسين تبعد عن قرميسين يسرة بأقل من فرسخين. وفي سائر الأصول: «شيراز» وهو تحريف. (راجع «معجم البلدان» في الكلام على شبداز و «المسالك والممالك» لابن خرداذبه في كلامه على الطريق من مدينة السلام إلى أقاصي خراسان ص ١٨ طبع مدينة ليدن).
(٤) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «أقاما مع حجاج». والحجاج: الكثير الحج. يريد أن الدين والدنيا قد اجتمعا للرشيد الذي كان كثير الحج والغزو.