8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره
  فركبت أدور في ظهر الحيرة، فنظرت إلى بستان فقصدته فإذا على بابه شابّ حسن الوجه، فاستأذنته في الدخول فأذن لي، فدخلت فإذا جنّة من الجنان في أحسن تربة وأغزرها ماء، فخرجت فقلت له: لمن هذا البستان؟ فقال:
  لبعض الأشاعثة(١)؛ فقلت له: أيباع؟ فقال: نعم وهو على سوم؛ فقلت: كم بلغ؟ فقال: أربعة عشر ألف دينار؛ قلت: وما يسمّى هذا الموضع؟ قال: شمارى؛ فقلت:
  صوت
  جنان شمارى ليس مثلك منظر ... لذي رمد أعيا عليه طبيب
  ترابك كافور ونورك(٢) زهرة ... لها أرج بعد الهدوّ يطيب(٣)
  / قال: وحضرتني فيه صنعة حسنة؛ فلما جلس الرشيد وأمر بالغناء غنّيته إياه أوّل ما غنّيت؛ فقال: ويلك! وأين شمارى؟ فأخبرته القصّة؛ فأمر لي بأربعة عشر ألف دينار؛ وغمزني جعفر بن يحيى فقال: خذ توقيعه بها إليّ؛ وتشاغل الرّشيد عنّي، فأعدت الصوت، فقال: ويلكم! أعطوا هذا دنانيره؛ فوثبت وقلت: يا سيّدي، وقّع لي بها إلى جعفر بن يحيى؛ فقال: أفعل، ووقّع لي بها إليه؛ فلمّا حصل التوقيع عند جعفر أطلق لي المال وخمسة آلاف دينار من عنده؛ فلما حصل المال عندي كان أحبّ إليّ وأحسن في عيني من شمارى.
  عرض الرشيد أبياتا ليجيزها الشعراء ثم أمره فغنى فيها:
  أخبرني(٤) جعفر بن قدامة قال أخبرني أبو العيناء قال:
  خرج الفضل بن الرّبيع يوما من حضرة الرشيد ومعه رقعة فيها أربعة أبيات، فقال: إن أمير المؤمنين يأمر كلّ من حضر ممن يقول الشعر أن يجيزها، وهي:
  أهدى الحبيب مع الجنوب سلامه ... فاردد إليه مع الشّمال سلاما
  واعرف بقلبك ما تضمّن قلبه ... وتداولا بهواكما الأيّاما
  وإذا بكيت له فأيقن أنه ... ستجود أدمعه عليك رهاما(٥)
  فاحبس دموعك رحمة لدموعه ... إن كنت تحفظ أو تحوط ذماما
  / فلم يوجد من يجيزها، فأمر إبراهيم فغنّى فيها لحنا من خفيف الثقيل.
  انقطع عن الرشيد في سفره عند خمار وشعره في ذلك:
  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني أبو العبّاس البصريّ(٦) قال حدّثني عبد اللَّه بن الفضل بن الرّبيع قال سمعت أبي يقول:
(١) الأشاعثة: منسوبون إلى الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي أبي محمد الصحابي، وفد على النبيّ ﷺ وروى عنه وعن عمر ¥، ونزل الكوفة ومات بها في آخر سنة أربعين هجرية وهو ابن ثلاث وستين سنة.
(٢) في ح: «ونبتك».
(٣) في ح: «وطيب».
(٤) هذا الخبر الذي يبتدئ من قوله: «أخبرني جعفر» إلى قوله: «لحنا من خفيف الثقيل» ساقط من ط، ء، م.
(٥) الرهام: جمع رهمة (بالكسر) وهي المطر الضعيف.
(٦) في ح: «النصرى» بالنون.