كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره

صفحة 120 - الجزء 5

  / لمّا خرج الرشيد إلى الرّقّة⁣(⁣١) أخرج معه إبراهيم الموصليّ، وكان به مشغوفا، ففقده في بعض المنازل أيّاما وطلبه فلم يخبره أحد بقصّته؛ ثم أتاه، فقال له: ويحك! ما خبرك وأين كانت غيبتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، حديثي عجيب، نزلنا بموضع كذا وكذا، فوصف لي خمّار، من ظرفه ومن نظافة منزله كيت وكيت، فتقدّمت أمام ثقلي⁣(⁣٢) وأتيته مخفّا، فوافيت⁣(⁣٣) أطيب منزل وأوسع رحل وأطيب طعام وأسخى نفس، من شابّ حسن الوجه ظريف العشرة، فأقمت عنده، فلمّا أردت اللَّحاق بأمير المؤمنين أقسم عليّ وأخرج لي من الشراب ما هو أطيب وأجود مما رأيت، فأقمت ثلاثا، ووهبت له دنانير كانت معي وكسوة، وقلت فيه:

  صوت

  سقيا لمنزل خمّار قصفت⁣(⁣٤) به ... وسط الرّصافة يوما بعد يومين

  ما زلت أرهن أثوابي وأشربها ... صفراء قد عتّقت في الدّنّ حولين

  حتى إذا نفدت منّي بأجمعها ... عاودته بالرّبا دنّا بدنّين

  فقال «إزل بشين» حين ودّعني ... وقد لعمرك زلنا عنه بالشّين

  - الشعر والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر. قوله: «إزل بشين» كلمة سريانية، تفسيرها: امض بسلام، دعا له بها لما ودّعه - قال إبراهيم: فقال لي الرشيد: غنّني هذا الصوت، فغنّيته إيّاه وزمر عليه برصوما، فوهب لي الرشيد مائة ألف درهم وأقطعني ضيعة، وبعث إلى الحمّار فأحضر⁣(⁣٥)، وأهدى إلى الرشيد من ذلك الشراب فوصله؛ ووهب له إبراهيم عشرة آلاف درهم.

  قصته مع ابن جامع ورؤياه:

  أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد ووكيع قالوا جميعا حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال:

  قال ابن جامع يوما لأبي: رأيت في منامي كأنّي وإيّاك راكبان في محمل، فسفلت حتى كدت تلصق بالأرض، وعلا الشّقّ الذي أنا فيه، فلأعلونّك في الغناء؛ فقال إبراهيم: الرؤيا حقّ والتأويل باطل، إنّي وإيّاك كنّا في ميزان، فرجحت بك وشالت كفّتك وعلوت فلصقت بالأرض، فلأبقينّ بعدك ولتموتنّ قبلي. قال إسحاق: فكان كما قال أبي، علا عليه وأفاد أكثر من فوائده، ومات ابن جامع قبله وعاش أبي بعده.

  ألقى على جارية عبد اللَّه بن الربيع صوتا أعجب ابن جامع فأخذ يستعيدها إياه:

  أخبرني عبد اللَّه بن الرّبيع الرّبيعيّ قال حدّثتني خديجة بنت هارون بن عبد اللَّه بن الرّبيع قالت حدّثتني خمار⁣(⁣٦)


(١) في ح: «الكوفة».

(٢) الثقل (وزان سبب): متاع المسافر وحشمه وكل شيء نفيس مصون.

(٣) كذا في م. وفي ط، ء: «فأتيت». وفي سائر الأصول: «فوافقت»، وهو تحريف.

(٤) انظر الحاشية رقم ٤ ص ١٥٦ من هذا الجزء.

(٥) كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «فأحضره».

(٦) في ط: «قمار».