كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره

صفحة 121 - الجزء 5

  جارية أبي - وكانت قندهاريّة⁣(⁣١)، اشتراها جدّي عبد اللَّه وهي صبيّة ريّض⁣(⁣٢) من آل يحيى بن معاذ بمائتي ألف درهم - قالت:

  ألقى عليّ إبراهيم الموصليّ لحنه في هذين البيتين:

  صوت

  إذا سرّها أمر وفيه مساءتي ... قضيت لها فيما تريد على نفسي

  وما مرّ يوم أرتجي فيه راحة ... فأذكره إلَّا بكيت على أمس

  / الشعر لأبي حفص⁣(⁣٣) الشّطرنجيّ، والغناء لإبراهيم ثقيل أوّل بالوسطى - فسمعني ابن جامع / يوما وأنا أغنّيه، فسألني: ممن أخذته؟ فأخبرته؛ فقال: أعيديه، فأعدته مرارا، وما زال ابن جامع يتنغّم⁣(⁣٤) به معي حتى ظننت أنه قد أخذه، ثم كان كلما جاءنا قال لي: يا صبيّة، غنّي ذلك الصوت، فكان صوته عليّ.

  قصته مع مخارق في أخذه دراهم من يحيى البرمكي وأولاده:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال قال مخارق:

  أذن لنا أمير المؤمنين الرشيد أن نقيم في منازلنا ثلاثة أيّام، وأعلمنا أنه مشتغل فيها مع الحرم، فمضى الجلساء أجمعون إلى منازلهم - وأخبرني وسواسة وهو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصليّ بهذا الخبر فقال حدّثني أبي عن أبيه عن مخارق قال: اشتغل الرشيد يوما واصطبح مع الحرم وقد أصبحت السماء متغيّمة، فانصرفنا إلى منازلنا. ولم يذكر في الخبر ما ذكره عمر بن شبّة مما قدمت ذكره، واتفقا هاهنا في أكثر الحكايات، واللفظ فأكثره لرواية ابن الموصليّ - قال مخارق: وأصبحت السماء متغيّمة تطشّ طشّا خفيفا، فقلت: واللَّه لأذهبنّ إلى أستاذي إبراهيم فأعرف خبره ثم أعود، فأمرت من عندي أن يسوّوا مجلسا لنا إلى وقت رجوعي؛ فجئت إلى إبراهيم الموصليّ فإذا الباب مفتوح والدّهليز قد كنس والبوّاب قاعد؛ فقلت: ما خبر أستاذي؟ فقال: ادخل، فدخلت فإذا هو جالس في رواق له وبين يديه قدور تغرغر⁣(⁣٥) وأباريق تزهر، والستارة منصوبة والجواري خلفها، وإذا قدّامه طست فيه رطليّة وكوز وكأس، فدخلت أترنّم ببعض الأصوات، وقلت له: ما بال / الستارة لست أسمع من ورائها صوتا؟ فقال: اقعد ويحك! إني أصبحت على الذي ظننت؛ فأتاني خبر ضيعة تجاورني، قد واللَّه طلبتها زمانا وتمنّيتها فلم أملكها، وقد أعطي بها مائة ألف درهم؛ فقلت: وما يمنعك منها؟ فو اللَّه لقد أعطاك اللَّه أضعاف هذا المال وأكثر؛ قال: صدقت، ولكن لست أطيب نفسا أن أخرج هذا المال؛ فقلت: فمن يعطيك الساعة مائة ألف درهم؟ واللَّه ما أطمع في ذلك من الرشيد، فكيف بمن دونه! فقال: اجلس، خذ هذا الصوت، ونقر بقضيب معه على الدواة وألقى عليّ:


(١) قندهارية: نسبة إلى قندهار، وهي بلد من بلاد السند أو الهند مشهورة في الفتوح.

(٢) الرّيض كسيد: الدابة أوّل ما تراض، يطلق على الذكر والأنثى، يقال: غلام ريض، وناقة ريض.

(٣) هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز مولى بني العباس، نشأ في دار المهدي وتأدّب وكان لاعبا بالشطرنج مشغوفا به فلقب به لغلبته عليه، فلما مات المهدي انقطع إلى علية ابنته. وله ترجمة في الجزء التاسع عشر من «الأغاني» طبع بولاق.

(٤) تنغم المغني: طرّب في الغناء.

(٥) غرغرت القدر، صاتت عند الغلي.