كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره

صفحة 122 - الجزء 5

  صوت

  نام الخليّون من همّ ومن سقم ... وبتّ من كثرة الأحزان لم أنم

  يا طالب الجود والمعروف مجتهدا ... اعمد ليحني حليف الجود والكرم

  - الشعر لأبي النضير⁣(⁣١)، والغناء لإبراهيم الموصليّ ثقيل أوّل بالبنصر - قال: فأخذته فأحكمته؛ ثم قال لي:

  امض الساعة إلى باب الوزير يحيى بن خالد، فإنك تجد الناس عليه وتجد الباب قد فتح ولم يجلس بعد، فاستأذن عليه قبل أن يصل إليه أحد، فإنه سينكر عليك مجيئك ويقول: من أين أقبلت في هذا الوقت؟ فحدّثه بقصدك إياي وما ألقيت إليك من خبر الضّيعة، وأعلمه أنّي صنعت هذا / الصوت وأعجبني، ولم أر أحدا يستحقّه إلا فلانة جاريته، وأني ألقيته عليك حتى أحكمته لتطرحه عليها؛ فسيدعو بها ويأمر بالسّتارة أن تنصب ويوضع له كرسيّ ويقول لك: اطرحه عليها بحضرتي، فافعل وأتني بالخبر بعد ذلك. قال: فجئت باب يحيى فوجدته كما وصف، وسألني فأعلمته ما أمرني به، ففعل كلّ شيء قاله لي / إبراهيم، وأحضر الجارية فألقيته عليها؛ ثم قال لي: تقيم عندنا يا أبا المهنّأ أو تنصرف؟ فقلت: أنصرف أطال اللَّه بقاءك فقد علمت ما أذن لنا فيه، قال: يا غلام، احمل مع أبي المهنّأ عشرة آلاف درهم، واحمل إلى أبي إسحاق مائة ألف درهم ثمن هذه الضّيعة، فحملت العشرة الآلاف الدرهم إليّ، وأتيت منزلي فقلت: أسرّ يومي هذا وأسرّ من عندي، ومضى الرسول إليه بالمال؛ فدخلت منزلي ونثرت على من عندي من الجواري دراهم من تلك البدرة، وتوسّدتها وأكلت وشربت وطربت وسررت يومي كلَّه؛ فلما أصبحت قلت: واللَّه لآتينّ أستاذي ولأعرفنّ خبره، فأتيته فوجدت الباب كهيئته بالأمس، ودخلت فوجدته على مثل ما كان عليه، فترنّمت وطربت فلم يتلقّ ذلك بما يجب؛ فقلت له: ما الخبر؟ ألم يأتك المال؟ قال: بلى! فما كان خبرك أنت بالأمس؟ فأخبرته بما كان وهب لي وقلت: ما⁣(⁣٢) ينتظر من خلف الستارة، فقال: ارفع السّجف فرفعته فإذا عشر⁣(⁣٣) بدر؛ فقلت: وأيّ شيء بقي عليك في أمر الضيعة؟ قال: ويحك! ما هو واللَّه إلا أن دخلت منزلي حتى شححت عليها فصارت مثل ما حويت قديما؛ فقلت: سبحان اللَّه العظيم! فتصنع ماذا! قال: قم حتى ألقي عليك صوتا صنعته يفوق ذلك الصوت؛ فقمت وجلست بين يديه، فألقى عليّ:

  صوت

  ويفرح بالمولود من آل برمك ... بغاة النّدى والسيف والرمح ذو النصل⁣(⁣٤)


(١) ورد هذا الاسم في ح: «لأبي النضر». وفي سائر الأصول: «لأبي بصير»، وكلاهما تحريف عن «أبي النضير». واسمه عمر بن عبد الملك البصري مولى بني جمح، شاعر من شعراء البصرة صالح المذهب ليس من المعمودين المتقدمين ولا من المولدين الساقطين، وكان يغني بالبصرة على جوار له مولدات، ويظهر الخلاعة والمجون والفسق، ويعاشر جماعة ممن يعرف بذلك الشأن، وكان أبان اللاحقي يعاشره ثم تصار ما وهجاه وهجا جواريه وافترقا على قلي؛ ثم انقطع أبو النضير إلى البرامكة فأغنوه إلى أن مات.

(راجع ترجمته في «الأغاني» ١٠ ص ١٠٠ طبع بولاق).

(٢) كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «ما كان ينتظر من خلف الستارة» وعبارة نهاية الأرب (ج ٤ ص ٣٥٤ طبع دار الكتب المصرية):

«فأخبرته بما كان وقلت: ما تنتظر؟ فقال: ارفع السجف ... إلخ».

(٣) كذا في ح. وفي سائر النسخ: «عشرة» بتأنيث العدد.

(٤) كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «بغاة الندى والسيف والرمح والنصل» وكذلك في «نهاية الأرب» (ج ٤ ص ٣٥٤ طبع دار الكتب المصرية) والقافية فيه مرفوعة، وآخر البيت الثاني فيه: «ولا سيما إن كان والده الفضل».