كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره

صفحة 124 - الجزء 5

  ثم قال لي: امض إلى جعفر فافعل به كما فعلت بأخيه وأبيه؛ قال: فمضيت ففعلت مثل ذلك وخبّرته ما كان منهما وعرضت عليه الصوت، فسر به ودعا خادما فأمره بضرب الستارة وأحضر الجارية وقعد على كرسيّ، ثم قال: هات يا مخارق؛ فاندفعت فألقيت الصوت عليها حتى أخذته؛ فقال: أحسنت واللَّه يا مخارق وأحسن أستاذك، فهل لك في المقام عندنا اليوم؟ فقلت: يا سيّدي هذا آخر أيّامنا، وإنما جئت لموقع الصوت منّي حتى ألقيته على الجارية؛ فقال: يا غلام احمل معه ثلاثين ألف درهم وإلى الموصليّ ثلاثمائة ألف درهم؛ فصرت إلى منزلي بالمال، فأقمت ومن معي مسرورين نشرب بقيّة يومنا ونطرب، ثم بكَّرت إلى إبراهيم فتلقّاني قائما وقال لي: أحسنت يا مخارق؛ فقلت: ما الخبر؟ فقال: اجلس فجلست، فقال لمن خلف الستارة: خذوا فيما أنتم فيه، ثم رفع السّجف فإذا المال؛ فقلت: ما خبر الضّيعة؟ فأدخل يده تحت مسورة⁣(⁣١) هو متّكئ عليها فقال: هذا صكّ الضيعة، سئل عن صاحبها فوجد ببغداد، فاشتراها منه يحيى بن خالد، وكتب إليّ: قد علمت أنك لا تسخو⁣(⁣٢) نفسا بشراء الضيعة من مال يحصل لك ولو حيزت لك الدّنيا كلَّها، وقد ابتعتها لك من مالي ووجّهت لك بصكَّها؛ ووجّه إليّ بصكها وهذا المال كما ترى؛ ثم بكى وقال لي: يا مخارق إذا عاشرت فعاشر مثل هؤلاء، وإذا خنكرت فخنكر⁣(⁣٣) لمثل هؤلاء؛ / هذه ستّمائة ألف وضيعة بمائة ألف وستون ألف درهم لك، حصّلنا ذلك أجمع وأنا جالس في مجلسي لم أبرح منه، / فمتى يدرك مثل هؤلاء!.

  طلب إليه موسى الهادي أن يغنيه وله حكمه:

  أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال أخبرني أبي عن إسحاق قال:

  كان موسى الهادي شكس الأخلاق صعب المزاج⁣(⁣٤)، من توقّاه وعرف أخلاقه أعطاه ما أمّل، ومن فتح فاه فاتّفق له أن يفتحه بغير ما يهواه أقصاه واطَّرحه، فكان⁣(⁣٥) لا يحتجب عن ندمائه ولا عن المغنّين، وكان يكثر جوائزهم وصلاتهم ويواترها⁣(⁣٦)؛ فتغنّى أبي عنده يوما؛ فقال له: يا إبراهيم غنّني جنسا من الغناء ألذّ به وأطرب له ولك حكمك؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إن لم يقابلني زحل ببرده رجوت أن أصيب ما في نفسك. قال: وكنت لا أراه يصغي إلى شيء من الأغاني إصغاءه إلى النّسيب والرّقيق منه، وكان مذهب ابن سريج عنده أحمد من مذهب معبد، فغنّيته⁣(⁣٧):

  وإنّي لتعروني لذكراك هزّة⁣(⁣٨) ... كما انتفض العصور بلَّله القطر


(١) المسورة: الوسادة من جلد.

(٢) في ط، ء: «لا تسخو نفسك».

(٣) لعله يريد: إذا غنيت فغن لمثل هؤلاء، فقد ورد في «الأغاني» (ج ١٧ ص ١٢٣ طبعة بولاق) في تعنيف الفضل بن الربيع لحفيده عبد اللَّه بن عباس على تعلمه الغناء: ... وفضحت آباءك في قبورهم وسقطت الأبد إلا من المغنين وطبقة الخيناكرين». وقال صاحب «كتاب الألفاظ الفارسية المعربة»، بعد أن أشار إلى هذه القصة: «هي جمع خيناكر ومعناه المغني». وأخبرنا ممن لديهم معرفة باللغة الفارسية أن «الخيناكر» هو المغني المضحك.

(٤) كذا في ح، م. وفي سائر الأصول: «المرام».

(٥) لعله: «وكان» بالواو.

(٦) واتر الصلات وغيرها: جعل بعضها يتبع بعضا.

(٧) في ب، س: «فغنيته قوله» بزيادة كلمة «قوله»، ولعلها زيدت سهوا من الطابع.

(٨) كذا في هامش ح، و «الأمالي» (ح ١ ص ١٤٩ طبع دار الكتب المصرية)، وهي الرواية المشهورة في هذا البيت والتي تلائم الشطر