كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره

صفحة 129 - الجزء 5

  منّي فلا تغنّ فلست فيه كما أرضى؛ فصاح أبي عليّ صيحة شديدة ثم قال لي: وما يدريك يا صبيّ! ثم أقبل على الرجل فقال: أنت يا حبيبي بضدّ ما قال، وإن لزمت الصّناعة برعت فيها؛ فلما خلا بي قال لي: يا أحمق! ما عليك أن يخزي اللَّه مائة ألف مثل هذا! هؤلاء أغنياء ملوك، وهم يعيّروننا بالغناء، فدعهم يتهتكوا به ويعيّروا ويفتضحوا ويحتاجوا إلينا فننتفع بهم، ويبين فضلنا لدى الناس بأمثالهم. قال: ولزمه النّهيكيّ يأخذ عنه ويبرّه فيجزل، فكان إذا غنّى فأحسن قال له: بارك اللَّه فيك، وإذا أساء قال: بارك اللَّه عليك؛ وكثر ذلك منه حتّى عرف النّهيكيّ معناه فيه، فغنّى يوما وأبي ساه عنه فسكت ولم يقل له شيئا؛ فقال له: جعلت فداك، يا أستاذي، أهذا الصوت من أصوات «فيك» / أم «عليك»؟ فضحك أبي ولم يكن علم⁣(⁣١) أنه قد فطن لقوله، ثم قال له: واللَّه لأقبلنّ عليك حتّى تصير كما تشتهي، فإنك ظريف أديب؛ وغني به حتى حسن غناؤه وتقدّم. وفيه يقول أبي:

  أوجب اللَّه لك ألح ... قّ على مثلي بظرفك

  لن تراني بعد هذا ... ناطقا إلَّا بوصفك

  وترى القوّة فيما ... تشتهيه بعد ضعفك

  احتكم إليه مخارق وإسحاق فحكم لإسحاق:

  أخبرني إسماعيل قال حدّثني عمر بن شبّة عن إسحاق، أخبرني به الصّوليّ عن عون بن محمد عن إسحاق قال:

  غنّى مخارق بين يدي الرشيد صوتا فأخطأ في قسمته؛ فقلت له: أعد فأعاده، وكان الخطأ خفيّا، فقلت للرّشيد: يا سيّدي، قد أخطأ فيه؛ فقال لإبراهيم بن المهديّ: ما تقول فيما ذكره إسحاق؟ قال: ليس الأمر كما قال، ولا هاهنا خطأ؛ فقلت له: أترضى بأبي؟ قال: إي واللَّه، وكان أبي في بقايا علَّة؛ فأمر الرشيد بإحضاره ولو محمولا، فجيء به في محفّة؛ فقال لمخارق: أعد الصوت، فأعاده: فقال: ما عندك يا إبراهيم في هذا الصوت؟

  فقال: قد أخطأ فيه؛ فقال له: هكذا قال ابنك إسحاق، وذكر أخي إبراهيم أنه صحيح؛ فنظر إليّ ثم قال: هاتوا دواة، فأتي بها وكتب شيئا لم يقف عليه أحد ثم قطعه ووضعه بين يدي الرشيد، وقال لي: اكتب بذكر الموضع الفاسد من قسمة هذا الصوت، فكتبته وألقيته فقرأه وسرّ، وقام فألقاه بين يدي الرشيد، فإذا الذي قلناه جميعا متفق؛ فضحك وعجب، ولم يبق / أحد في المجلس إلا قرّظ وأثنى ووصف، ولا أحد خالف إلَّا خجل وذلّ وأذعن.

  وقال أبي في ذلك:

  ليت من لا يحسن العل ... م كفانا شرّ علمه

  فأخبر الحقّ ابتداء ... وقس العلم بفهمه

  طيّب الرّيحان لا تع ... رفه إلا بشمّه

  حديث بين ابنه إسحاق والرشيد في المال الذي أخذه هو من الرشيد:

  حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللَّه، وحدّثني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:

  غنّى أبي يوما بحضرة الرشيد:


(١) كذا في ح. وفي أ، م: «ولم يكن علم اللَّه أنه ... إلخ». وفي سائر الأصول: «ولم يكن علم أبي أنه ... إلخ».