كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره

صفحة 168 - الجزء 5

  سقيم ملّ منه أقربوه ... وأسلمه المداوي والحميم

  فقال الرشيد: إنّا للَّه! وخرج، فلم يبعد حتى سمع الواعية⁣(⁣١) عليه.

  أمر الرشيد ابنه المأمون أن يصلي عليه مع آخرين:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال:

  مات إبراهيم الموصليّ سنة ثمان وثمانين ومائة، ومات في ذلك اليوم الكسائي النحويّ والعباس بن الأحنف الشاعر وهشيمة⁣(⁣٢) الخمّارة، فرفع ذلك إلى الرشيد، فأمر المأمون أن يصلَّي عليهم، فخرج فصفّوا بين يديه؛ فقال:

  من هذا الأوّل؟ قيل: إبراهيم؛ فقال: أخّروه وقدّموا العبّاس بن الأحنف، فقدّم فصلَّى عليهم؛ فلما فرغ وانصرف، دنا منه هاشم بن عبد اللَّه بن مالك الخزاعيّ فقال: يا سيّدي، كيف آثرت العبّاس بالتّقدمة على من حضر؟ قال:

  لقوله:

  وسعى بها ناس فقالوا إنّها ... لهي التي تشقى بها وتكابد⁣(⁣٣)

  فجحدتهم ليكون غيرك ظنّهم⁣(⁣٤) ... إنّي ليعجبني المحبّ الجاحد

  ثم قال: أتحفظها؟ قلت نعم؛ فقال: أنشدني باقيها؛ فأنشدته:

  لمّا رأيت الليل سدّ طريقه ... عنّي وعذّبني الظلام الراكد

  والنّجم في كبد السماء كأنه ... أعمى تحيّر ما لديه قائد

  ناديت من طرد الرّقاد بصدّه ... عمّا⁣(⁣٥) أعالج وهو خلو هاجد

  يا ذا الذي صدع الفؤاد بهجره ... أنت البلاء طريفه والتّالد

  ألقيت بين جفون عيني حرقة ... فإلى متى أنا ساهر يا راقد

  / فقال المأمون: أليس من قال هذا الشعر حقيقا بالتقدمة؟ فقلت: بلى واللَّه يا سيّدي.

  ذهاب برصوما الزامر مع ابنه إسحاق إلى المجلس الذي كان يجلس فيه وبكاؤه عليه:

  أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال:

  قال لي برصوما الزامر: أما في حقّي وخدمتي وميلي إليكم وشكري لكم ما أستوجب به أن تهب لي يوما من عمرك تفعل فيه ما أريد ولا تخالفني في شيء؟ فقلت: بلى ووعدته بيوم؛ فأتاني فقال: مر لي بخلعة، ففعلت وجعلت فيها جبّة وشى؛ فلبسها ظاهرة وقال: امض بنا إلى المجلس الذي كنت آتي أباك فيه؛ فمضينا جميعا إليه وقد خلَّقته وطيّبته؛ فلما صار على باب المجلس رمى بنفسه إلى الأرض فتمرّغ في التّراب وبكى وأخرج نايه وجعل


(١) كذا في ط، ء، ح. والواعية: الصراخ على الميت. وفي سائر الأصول: «الناعية».

(٢) هكذا وردت مضبوطة في ط (بضم الهاء وفتح الشين)، وهي: امرأة كانت تبيع الخمر، وكانت جارة لإسحاق الموصلي، وقد رثاها بأبيات يرميها فيها بالقيادة. (انظر ترجمة إسحاق الموصلي فيما سيأتي من هذا الجزء).

(٣) في ط، ء: «وتجاهد».

(٤) في ط، ء: «همهم».

(٥) كذا في ط، ء و «ديوانه». وفي سائر الأصول: «عمن».