كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره

صفحة 169 - الجزء 5

  ينوح / في زمره ويدور في المجلس ويقبّل المواضع التي كان أبو إسحاق يجلس فيها ويبكي ويزمر حتّى قضى من ذلك وطرا، ثم ضرب بيده إلى ثيابه فشقّها⁣(⁣١)، وجعلت أسكَّته وأبكي معه، فما سكن إلا بعد حين؛ ثم دعا بثيابه فلبسها وقال: إنما سألتك أن تخلع عليّ لئلا يقال: إن برصوما إنما خرق ثيابه ليخلع⁣(⁣٢) عليه ما هو خير منها؛ ثم قال: امض بنا إلى منزلك فقد اشتفيت مما أردت؛ فعدت إلى منزلي وأقام عندي يومه، وانصرف بخلعة مجدّدة.

  المراثي التي قبلت فيه:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبة قال حدّثني القاسم⁣(⁣٣) بن يزيد قال:

  / لمّا مات إبراهيم الموصليّ دخلت على إبراهيم بن المهديّ وهو يشرب وجواريه يغنّين، فذكرنا⁣(⁣٤) إبراهيم الموصليّ وحذقه وتقدّمه، فأفضنا في ذلك وإبراهيم مطرق، فلمّا طال كلامنا وقال كلّ واحد منا مثل ما قاله صاحبه، اندفع إبراهيم بن المهديّ يغنّي في شعر لابن سيابة يرثي [به]⁣(⁣٥) إبراهيم - ويقال: إن الأبيات لأبي الأسد⁣(⁣٦) -:

  تولَّى الموصليّ فقد تولَّت ... بشاشات المزاهر والقيان

  وأيّ بشاشة بقيت فتبقى ... حياة الموصليّ على الزمان

  ستبكيه المزاهر⁣(⁣٧) والملاهي ... وتسعدهنّ عاتقة الدّنان

  وتبكيه الغويّة إذ تولَّى ... ولا تبكيه تالية القران⁣(⁣٨)

  قال: فأبكى من حضر؛ وقلت أنا في نفسي: أفتراه هو إذا مات من يبكيه: ألمحراب أم المصحف؟! قال:

  وكان كالشامت بموته.

  أخبرني يحيى بن عليّ قال قال أنشدني حمّاد قال: أنشدني أبي لنفسه يرثي أباه، وأنشدها غير يحيى وفيها زيادة على روايته:

  أقول له لما وقفت بقبره ... عليك سلام اللَّه يا صاحب القبر

  أيا قبر إبراهيم حيّيت حفرة ... ولا زلت تسقى الغيث من سبل⁣(⁣٩) القطر

  / لقد عزّني⁣(⁣١٠) وجدي عليك فلم يدع ... لقلبي نصيبا من عزاء ولا صبر


(١) كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «يشقها».

(٢) كذا في ط، ء وفي سائر الأصول: «ليخلع عليه هو خيرا منها».

(٣) في ط، ء: «القاسم بن يزيد الموصلي».

(٤) كذا في ط، ء: وفي سائر الأصول: «فذكرن».

(٥) زيادة عن ط، ء.

(٦) كذا في ط، ء: وهو نباتة بن عبد اللَّه الحماني، من شعراء الدولة العباسية، وقد أورد له أبو الفرج ترجمة في (ج ١٢ ص ١٧٤ طبع بولاق)، وقد ذكرت في ترجمته هذه الأبيات يرثي بها إبراهيم الموصلي. وفي سائر الأصول: «الأسل» باللام، وهو تحريف.

(٧) في س: «المزامر» بالميم.

(٨) القران: القرآن.

(٩) السبل (بالتحريك): ما سال من المطر.

(١٠) عزه الوجد: غلبه.