11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم
  عندهم يترجمون لهم كتب الموسيقى، فإذا خرج إليك منها شيء فأعطنيه؛ فوعدته بذلك، ومات قبل أن يخرج إليه شيء منها. وإنما ذكرت هذا بتمام أخباره كلَّها ومحاسنه وفضائله، لأنه من أعجب شيء يؤثر عنه: أنه استخرج بطبعه علما رسمته الأوائل لا يوصل إلى معرفته إلا بعد علم كتاب إقليدس الأوّل في الهندسة ثم ما بعده من الكتب الموضوعة في الموسيقى، ثم تعلَّم ذلك وتوصّل إليه واستنبطه بقريحته، فوافق ما رسمه أولئك، ولم يشذّ عنه شيء يحتاج إليه منه، وهو لم يقرأه ولا(١) له مدخل إليه ولا عرفه، ثم تبيّن بعد هذا، بما أذكره من أخباره ومعجزاته في صناعته، فضله على أهلها كلَّهم وتميّزه عنهم، وكونه سماء هم أرضها، وبحرا هم جداوله.
  اسم أمه وجنسها:
  وأمّ إسحاق امرأة من أهل الرّيّ يقال لها شاهك؛ وذكر قوم أنها دوشار التي كانت تغنّى / بالدّفّ، فهويها إبراهيم وتزوّجها. وهذا خطأ، تلك لم تلد من إبراهيم إلا بنتا، وإسحاق وسائر ولد إبراهيم من شاهك هذه.
  برنامج دراسته اليومي:
  أخبرني يحيى بن عليّ المنجم قال أخبرني أبي عن إسحاق قال:
  بقيت دهرا من دهري أغلَّس في كلّ يوم إلى هشيم فأسمع منه، ثم أصير إلى الكسائيّ أو الفرّاء أو ابن غزالة(٢) فأقرأ عليه جزءا من القرآن، ثم آتي منصور / زلزل(٣) فيضار بني طرقين(٤) أو ثلاثة، ثم آتي عاتكة(٥) بنت شهدة فآخذ منها صوتا أو صوتين، ثم آتي الأصمعيّ وأبا عبيدة فأناشدهما وأحدّثهما فأستفيد منهما، ثم أصير إلى أبي فأعلمه ما صنعت ومن لقيت وما أخذت وأتغدّى معه، فإذا كان العشاء رحت إلى أمير المؤمنين الرشيد.
  تعلم الضرب بالعود من زلزل:
  أخبرنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
  أخذ منّي منصور زلزل إلى أن تعلَّمت مثل ضربه بالعود أكثر من مائة ألف درهم.
  جاء إلى ابن عائشة فأكرمه:
  أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال:
  كنت عند ابن عائشة فجاءه أبو محمد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فرحّب به وقال: هاهنا يا أبا محمد إلى جنبي، فلئن بعّدت بيننا الأنساب، لقد قرّبت بيننا الآداب.
(١) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «وهو لم يقرأه ولا المدخل إليه ... إلخ».
(٢) كذا في جميع الأصول. وقد جاء في «شرح القاموس» (مادة غزل): «وعبد الواحد بن أحمد بن غزال مقرئ».
(٣) كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «ثم آتي منصورا زلزلا». وإذا اجتمع علمان لمسمى واحد جازت الإضافة والاتباع على أن يكون الثاني بدلا أو عطف بيان.
(٤) كذا في أ، م. والطرق (بالفتح): صوت أو نغمة بالعود ونحوه، يقال: تضرب هذه الجارية كذا طرفا. وفي ب، س، ح: «طرفين» بالفاء. وفيء: «طريقين»، وكلاهما تحريف.
(٥) عاتكة بنت شهدة: إحدى المغنيات المحسنات، وأمها جارية الوليد بن يزيد وكانت مغنية أيضا. (انظر الكلام عليها في «الأغاني» ج ٦ ص ٥٧ طبع بولاق).