كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم

صفحة 180 - الجزء 5

  تقدير المأمون له:

  أخبرني الحسن⁣(⁣١) بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلَّبيّ قال حدّثنا ابن⁣(⁣٢) شبيب من جلساء المأمون عنه: أنه قال يوما وإسحاق غائب عن مجلسه: لولا / ما سبق على ألسنة الناس واشتهر به عندهم من الغناء لولَّيته القضاء، فما أعرف مثله ثقة وصدقا وعفة وفقها. هذا مع تحصيل المأمون وعقله ومعرفته.

  سأل الفضل بن الربيع أن يوصي به سفيان بن عيينة في رواية الحديث وتقدير سفيان له:

  أخبرنا يحيى بن علي قال حدّثنا الفضل بن العبّاس الورّاق قال حدّثنا المخرّميّ⁣(⁣٣) عن أبيه قال: سمعت إسحاق الموصليّ يقول:

  صرت إلى سفيان بن عيينة لأسمع منه، فتعذّر ذلك عليّ وصعب مرامه، فرأيته عند الفضل بن الرّبيع، فسألته أن يعرّفه موضعي من عنايته ومكاني من الأدب والطلب وأن يتقدّم إليه بحديثي؛ ففعل وأوصاه بي فقال: إنّ أبا محمد من أهل العلم وحملته. قال: فقلت: تفرض لي عليه ما يحدّثني به؛ فسأله في ذلك، ففرض لي خمسة عشر حديثا في كل مجلس؛ فصرت إليه فحدّثني بما فرض لي؛ فقلت له: أعزّك اللَّه، صحيح كما حدّثتني به؟ قال: نعم، وعقد بيده شيئا؛ قلت: أفأرويه عنك؟ قال: نعم، وعقد بيده شيئا آخر، ثم قال: هذه خمسة وأربعون حديثا، وضحك إليّ وقال: قد سرّني ما رأيت من تقصّيك في الحديث وتشدّدك فيه على نفسك، فصر إليّ متى شئت حتى أحدّثك بما شئت.

  تقدير أبي معاوية الضرير له:

  أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى أبو الجمان وعون بن محمد الكنديّ قالا:

  سمعنا إسحاق الموصليّ يقول:

  جئت يوما إلى أبي معاوية الضّرير ومعي مائة حديث، فوجدت حاجبه يومئذ رجلا ضريرا؛ فقال لي: إنّ أبا معاوية قد ولَّاني اليوم حجبته لينفعني؛ فقلت: معي مائة حديث وقد جعلت لك مائة درهم إذا قرأتها؛ فدخل واستأذن لي فدخلت؛ / فلما عرفني أبو معاوية دعاه فقال له: أخطأت، وإنما جعلت لك مثل هذا من ضعفاء أصحاب الحديث فأمّا أبو محمد وأمثاله فلا؛ ثم أقبل عليّ يرغبني في الإحسان إليه ويذكر ضعفه وعنايته به؛ فقلت له: احتكم في أمره، فقال: مائة / دينار؛ فأمرت بإحضارها الغلام، وقرأت عليه ما أردت وانصرفت.

  كان يجري على ابن الأعرابي ثلاثمائة دينار في كل سنة وإكبار ابن الأعرابيّ له:

  أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني عليّ بن محمد الأسديّ قال حدّثني أحمد بن يحيى الشّيباني ثعلب قال:

  وقف أبو عبد اللَّه بن الأعرابيّ على المدائنيّ، فقال له: إلى أين يا أبا عبد اللَّه؟ فقال: أمضي إلى رجل هو كما قال الشاعر:


(١) في الأصول هنا: «الحسين»، وهو تحريف.

(٢) في ح، ء وهامش أ: «حدثنا من شئت من جلساء المأمون».

(٣) المخرميّ: نسبة إلى المخرم (بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء مع الكسر): محلة ببغداد.