11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم
  قال إسحاق: فقلت له: أليس غير هذا؟ فقال: لا، إنما أرسلته يتيما؛ فقلت: أفلا أجيزه؟ قال: شأنك؛ فقلت له:
  فبيتك خير من بيوت كثيرة ... وقدرك خير من وليمة جارك
  / قال: فضحك ثم قال: أحسنت بأبي أنت وأمي، جئت واللَّه به قبلا(١) ما انتظرت به القرب، وما ألوم الخليفة أن يجعلك في سمّاره ويتملَّح بك، وإنك لمن طراز ما رأيت بالعراق مثله، ولو كان الشباب يشترى لا انتعته لك بإحدى عينيّ ويمنى يديّ، وعلى أن فيك بحمد اللَّه ومنّه بقيّة تسرّ الودود، وترغم الحسود. هذا لفظ يزيد المهلَّبيّ والأخفش. وأخبرني بهذا الخبر محمد بن عبد اللَّه بن عمّار فقال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال قال لي إمّا / شدّاد بن عقبة وإما أبو مجيب(٢):
  قالت امرأة القتّال الكلابيّ له: هل لك في فلقة من حوار نطبخها لك؟ فقال: لا واللَّه، نحن على وليمة أبي سفيان ودعوته، وكان أبو سفيان رجلا من الحيّ زفّت إليه امرأته تلك الليلة؛ فجعل ينظر دخانا فلا يراه، فقال:
  إنّ أبا سفيان ليس بمولم ... فقومي فهاتي فلقة من حوارك
  ثم ذكر باقي الخبر على ما تقدّم من الذي قبله.
  أنشد أعرابيا شعرا له فمدحه:
  أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبيّ قال حدّثني إسحاق قال:
  أنشدت أعرابيّا فهما شعرا لي، فقال: أقفرت واللَّه يا أبا محمد؛ قلت: وما أقفرت؟ قال: رعيت قفرة لم ترع قبلك. (يريد: أبدعت).
  دخل على المأمون وعقيد يغنيه فتبين خطأ في الغناء لم يتبينه أحد ممن حضر:
  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش وعمّي قالا حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثني بعض أصحاب السلطان بمدينة السلام قال سمعت إسحاق الموصليّ يقول:
  دخلت على المأمون يوما وعقيد يغنّيه ارتجالا وغيره يضرب عليه؛ فقال: يا إسحاق، كيف تسمع مغنّينا هذا؟
  فقلت: هل سأل أمير المؤمنين عن هذا غيري؟ قال: نعم، سألت عمّي إبراهيم فوصفه وقرّظه واستحسنه؛ فقلت له:
  يا أمير المؤمنين - أدام اللَّه سرورك، وأطاب عيشك - إنّ الناس قد أكثروا في أمري حتى نسبتني فرقة إلى التّزيّد في علمي؛ فقال لي: فلا يمنعك ذلك من قول الحق إذا لزمك؛ فقلت لعقيد: أردد هذا الصوت الذي غنّيته آنفا، وتحفّظ فيه وضرب ضاربه عليه؛ فقلت لإبراهيم بن المهديّ: كيف رأيته؟ فقال: ما رأيت شيئا يكره ولا سمعته؛
(١) القبل (بالتحريك): الارتجال أي التكلم بكلام لم يكن قد أعدّه، يقال: تكلم قبلا فأجاد، واقتبل الكلام والخطبة اقتبالا إذا ارتجلهما ولم يكن أعدّهما. والقبل أيضا: أن يورد الرجل إبله فيستقي على أفواهها ولم يكن هيأ لها قبل ذلك شيئا. والقرب (بالتحريك): أن يكون بين القوم وبين الماء ليلة أو عشية فيعجلون بإبلهم ويسوقونها إليه سوقا شديدا. يريد أنه جاء به ارتجالا وعفو الخاطر من غير أن يتريث به ويكد سعيا في طلبه.
(٢) كذا في ح وكذلك صححه المرحوم الشنقيطي في نسخته، وهو أبو مجيب الريفي، كما سيأتي ذكره بعد قليل في أخبار إسحاق.
وقد جاء مضطربا في سائر الأصول هنا.