11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم
  فأقبلت على عقيد فقلت له حين استوفاه: في أيّ طريقة هذا الصوت الذي غنّيته؟ قال: في الرّمل؛ فقلت للضارب:
  في أي طريقة ضربت أنت؟ قال: في الهزج الثقيل؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عسيت أن أقول في صوت يغنّي مغنّيه رملا ويضرب ضاربه هزجا، وليس هو صحيحا في إيقاعه الذي ضرب عليه!. قال: وتفهّمه إبراهيم بن المهديّ بعدي، فقال: صدق يا أمير المؤمنين، الأمر فيه الآن بيّن؛ فغاظني، فقلت له: بأيّ شيء بان الآن ما لم يكن بيّنا قبل؟ أتوهم أنك استنبطت معرفة هذا! وإنما قلته لمّا علمته من جهتي كما يقوله الغلمان العجم وسائر من حضر اتّباعا لي واقتداء بقولي. فقال له المأمون: صدق، فأمسك؛ وجعل يتعجّب من ذهاب ذلك على كل من حضر، وكنّاني في ذلك اليوم مرّتين.
  إعجاب الأصمعي ببيتين له في الفخر:
  أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني أبو عبد اللَّه أحمد بن حمدون قال حدّثني أبي:
  / أنّ الأصمعيّ أنشد قول إسحاق يذكر ولاءه لخزيمة(١) بن خازم:
  إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي ... ودافع ضيمي خازم وابن خازم
  عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثريّا قاعدا غير قائم
  قال: فجعل الأصمعيّ يعجب منهما ويستحسنهما، وكان بعد ذلك يذكرهما ويفضّلهما.
  سبب ولائه لخازم بن خزيمة:
  قال ابن حمدون: وكان السبب في تولَّي إسحاق خازم بن خزيمة بن خازم، أنّ مناظرة جرت بينه وبين ابن جامع بحضرة الرشيد فتغالظا(٢)، فقال له ابن جامع: يا من إذا قلت له يا بن زانية لم أخف أن يكذّبني أحد؛ فمضى إلى خازم بن خزيمة، فتولَّاه وانتمى إليه، فقبل ذلك منه، وقال هذين البيتين.
  امتحنه المعتصم في صوت فأجاب بأنه محدث لامرأة وكان لعريب:
  أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي قال: قال إسحاق: كانت عندي(٣) / صنّاجة كنت بها معجبا؛ واشتهاها أبو إسحاق المعتصم في خلافة المأمون؛ فبينا أنا ذات يوم في منزلي إذا ببابي يدقّ دقّا شديدا، فقلت:
  انظروا من هذا؛ قالوا: رسول أمير المؤمنين؛ فقلت: ذهبت صنّاجتي، تجده ذكرها له ذاكر فبعث إليّ فيها؛ فلمّا مضى بي الرسول انتهيت إلى الباب وأنا مثخن(٤)، فدخلت فسلَّمت، فردّ السلام، ونظر إلى تغيّر وجهي فقال:
  اسكن فسكنت؛ وسألني عن صوت وقال: أتدري لمن هو؟ فقلت: أسمعه ثم أخبر أمير المؤمنين إن شاء اللَّه بذلك؛ فأمر / جارية من وراء الستارة فغنته وضربت، فإذا هي قد شبّهته بالقديم؛ فقلت: زدني معها عودا آخر فإنه أثبت
(١) هو خزيمة بن خازم بن خزيمة، كان هو وأبوه من أشراف الدولة العباسية، وقد ولى أبوه خراسان وعمان لأبي جعفر المنصور، وكان هو من قوّاد الرشيد المبرزين الذين قاموا له بجلائل الأعمال (انظر كتاب «المعارف» لابن قتيبة ص ٢١٣ و «تاريخ الطبري» قسم ٣ ص ٦٠٢ و ٦٤٨ و ٦٨٣ إلخ).
(٢) كذا في ب. وتغالظا: تعاديا وتشاتما، والمغالظة: شبه المعارضة، يقال: مالك تغالطني وتغالظني، وتعارضني وتغايظني. وفي سائر الأصول: «تغالطا» بالطاء المهملة، والمغالطة: الإيقاع في الغلط.
(٣) الصناجة: الضاربة بالصنج. والصنج (لفظ دخيل): صفيحة مدورة تتخذ من صفر يضرب بها على أخرى مثلها للطرب.
(٤) مثخن: مهموم محزون، يقال: أثخنه الهم إذا غلبه.