11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم
  لي، فزادني عودا آخر؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا الصوت محدث لا مرأة ضاربة؛ فقال: من أين قلت ذلك؟
  فقلت: لمّا سمعته وسمعت لينه عرفت أنه من صنعة النساء؛ ولمّا رأيت جودة مقاطعه علمت أن صاحبته ضاربة؛ فقال: من أين قلت ذلك؟ فقلت: لأنها قد حفظت مقاطعه وأجزاءه، ثم طلبت عودا آخر ليكون أثبت لي فلم أشكك؛ فقال: صدقت، الغناء لعريب.
  امتحن بإدخال لحن رومي في شعر عربي وغنى في درج أصوات، فلما سمعه عرفه واستخرجه:
  نسخت من كتاب ابن أبي سعيد(١): حدّثني إسحاق بن إبراهيم الطَّاهريّ(٢) قال: حدّثتني مخارق مولاتنا قالت:
  كان لمولاي الذي علَّمني الغناء فرّاش روميّ، وكان يغنّي بالروميّة صوتا مليح اللحن؛ فقال لي مولاي:
  يا مخارق، خذي هذا اللحن الروميّ فانقليه إلى شعر من أصواتك العربيّة حتى أمتحن به إسحاق الموصليّ فأعلم أين يقع من معرفته، ففعلت ذلك؛ وصار إليه إسحاق فاحتبسه مولاي، فأقام وبعث إليّ أن أدخلي اللحن الروميّ في وسط غنائك؛ فغنّيته إياه في درج أصوات مرّت قبله، فأصغى إليه إسحاق، وجعل يتفهّمه ويقسّمه ويتفقّد أوزانه ومقاطعه ويوقع عليه بيده، ثم أقبل على مولاي فقال: هذا صوت روميّ اللحن، فمن أين وقع إليك؟ / فكان مولاي بعد ذلك يقول: ما رأيت شيئا أحسن من استخراجه لحنا روميّا لا يعرفه ولا العلَّة فيه، وقد نقل إلى غناء عربيّ وامتزجت نغمه حتى عرفه ولم يخف عليه.
  فضل في مجلس الواثق زلزلا على ملاحظ فتحدّاه ملاحظ فأظهر هو براعة فائقة:
  أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن موسى قال حدّثني عبد اللَّه(٣) بن عمرو عن محمد بن عبد اللَّه بن مالك قال حدّثني علَّويه الأعسر، ووجدت هذا الخبر في بعض الكتب عن عليّ بن محمد بن نصر الشاميّ عن جدّه حمدون بن إسماعيل قال:
  تناظر المغنّون يوما عند الواثق، فذكروا الضّرّاب وحذقهم، فقدّم إسحاق زلزلا على ملاحظ، ولملاحظ في ذلك الرياسة على جميعهم؛ فقال له الواثق: هذا حيف وتعدّ منك؛ فقال إسحاق: يا أمير المؤمنين، اجمع بينهما وامتحنهما، فإن الأمر سينكشف لك فيهما؛ فأمر بهما فأحضرا؛ فقال له إسحاق؛ إن للضّرّاب أصواتا معروفة، أفأمتحنهما بشيء منها؟ قال: أجل، افعل؛ فسمّى ثلاثة أصوات كان أوّلها:
  علَّق قلبي ظبية السّيب(٤)
  فضربا عليه، فتقدّم زلزل وقصّر عنه ملاحظ؛ فعجب الواثق من كشفه عما ادّعاه في مجلس واحد. فقال له
(١) هو أبو عبيد اللَّه بن أبي سعيد الوراق، وكان أخبار يا نسابة راوية للشعر. وفي ب، س: «ابن أبي سعد»، وهو تحريف.
(٢) كذا في ح (بالطاء المهملة)، وقد صححه كذلك الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وهو إسحاق بن إبراهيم بن مصعب حاكم بغداد في أيام المأمون والمعتصم والواثق، وهو من قرابة طاهر بن الحسين، وإليه ينسب. وفي باقي الأصول هنا: «الظاهري» بالظاء المعجمة، وهو تصحيف. على أنه سيأتي في الأصول جميعا أكثر من مرة «الطاهري» بالمهملة كما في ح هنا.
(٣) تكرر هذا السند أكثر من مرة في أخبار إسحاق، وفيه عبد اللَّه بن أبي سعد بدل عبد اللَّه بن عمرو.
(٤) السيب (بكسر أوّله وسكون ثانيه): كورة من سواد الكوفة، وهو أيضا نهر بالبصرة فيه قرية كبيرة، وموضع بخوارزم. (مختصر من «معجم البلدان» لياقوت).