11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم
  ملاحظ: فما باله يا أمير المؤمنين يحيلك على الناس! ولم لا يضرب هو! فقال: يا أمير المؤمنين، إنه لم يكن أحد في زماني أضرب مني إلا أنكم أعفيتموني، فتفلَّت منّي؛ وعلى أن معي بقية لا يتعلَّق بها أحد من / هذه الطبقة؛ / ثم قال: يا ملاحظ، شوّش عودك وهاته، ففعل ذلك ملاحظ؛ فقال: يا أمير المؤمنين، هذا يخلَّط الأوتار تخليط متعنّت فهو لا يألو ما أفسدها، ثم أخذ العود فجسّه ساعة حتى عرف مواقعه(١)، ثم قال: يا ملاحظ، غنّ أيّ صوت شئت، فغنّى ملاحظ صوتا، وضرب عليه إسحاق بذلك العود الفاسد التسوية فلم يخرجه عن لحنه في موضع واحد حتى استوفاه عن نقرة واحدة، ويده تصعد وتنحدر على الدّساتين(٢)؛ فقال له الواثق: لا واللَّه ما رأيت مثلك ولا سمعت به! اطرح هذا على الجواري؛ فقال: هيهات يا أمير المؤمنين، هذا لا تعرفه الجواري ولا يصلح لهنّ، إنما بلغني أنّ الفهليذ ضرب يوما بين يدي كسرى فأحسن، فحسده رجل من حذّاق أهل صنعته، فترقّبه حتّى قام لبعض شأنه، ثم خالفه إلى عوده فشوّش بعض أوتاره، فرجع فضرب وهو لا يدري، والملوك لا تصلح في مجالسها العيدان، فلم يزل يضرب بذلك العود الفاسد إلى أن فرغ، ثم قام على رجله فأخبر الملك بالقصّة، فامتحن العود فعرف ما فيه، ثم قال: «زه(٣) وزه وزهان زه»، ووصله بالصّلة التي كان يصل بها من خاطبه هذه المخاطبة؛ فلمّا تواطأت الرواية بهذا أخذت نفسي ورضتها عليه وقلت: لا ينبغي أن يكون الفهليذ أقوى على هذا منّي، فما زلت أستنبطه بضع عشرة سنة حتى لم يبق في الأرض موضع على طبقة من الطبقات إلا وأنا أعرف نغمته كيف هي، والمواضع التي يخرج النغم كلها / منه فيها، من أعاليها إلى أسافلها، وكلّ شيء منها يجانس شيئا غيره، كما أعرف ذلك في مواضع الدّساتين؛ وهذا شيء لا تفي(٤) به الجواري. قال له الواثق: صدقت، ولئن متّ لتموتنّ هذه الصناعة معك؛ وأمر له بثلاثين ألف درهم.
  نسبة هذا الصوت
  صوت
  علَّق قلبي ظبية السّيب ... جهلا فقد أغري بتعذيبي
  نمّت عليها حين مرّت بنا ... مجاسد(٥) ينفحن بالطَّيب
  تصدّها عنّا عجوز لها(٦) ... منكرة(٧) ذات أعاجيب
(١) كذا في «مختار الأغاني» لابن منظور. وفي الأصول: «حتى عرف مواقعه فغنى، ثم قال ... إلخ» بزيادة كلمة «فغنى»، وظاهر أنها مقحمة.
(٢) كذا في ح. والدساتين: والدستانات: ما عليه أطراف أوتار العود من مقدمه، وهي كلمة فارسية، وتسمى العرب ذلك: العتب (بالتحريك). وفي سائر الأصول: «الرساتين» بالراء، وهو تحريف.
(٣) كلمة فارسية ومعناها: أحسنت أحسنت.
(٤) كذا في ح و «مختار الأغاني»، إلا أنه رسم في ح: «لا تفيء» بالهمز، ولعله تحريف من الناسخ. ولا تفي: لا تأتي به وافيا، أي إن الجواري يقصرن عنه ولا يستطعن أداءه. وفي سائر الأصول: «لا تغني».
(٥) المجاسد: القمصان، واحدها مجسد (بضم الميم من أجسده بالهمز، أو جسده بالتضعيف) وهو ما صبغ بالجسد أي الزعفران.
(٦) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «لنا».
(٧) منكرة: مبغضة مكروهة.