كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم

صفحة 186 - الجزء 5

  فكلَّما همت⁣(⁣١) بإتيانها ... قالت: توقّي عدوة الذّيب

  الشعر والغناء لإبراهيم، هزج ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر.

  أخذت عنه جاريته دمن صوتا على غرة منه لبخله بالغناء:

  حدّثني عليّ بن هارون قال حدّثني محمد بن موسى اليزيديّ قال حدّثتني دمن جارية إسحاق الموصليّ، وكانت من كبار جواريه وأحظى من عنده، ولقيتها فقلت لها: أيّ شيء أخذت عن مولاك من الغناء؟ فقالت: لا واللَّه ما أخذت أنا عنه ولا واحدة من جواريه صوتا قطَّ! كان أبخل بذلك، وما أخذت منه قطَّ إلَّا صوتا واحدا، وذلك أنه انصرف من دار الخليفة وهو مثخن سكرا⁣(⁣٢)، فدخل / إلى بيت كان ينام فيه، فرأى عودا معلَّقا فأخذه بيده، وقال لخادمه: يا غلام، صح لي بد من؛ فجاءني الغلام فخرجت، فلما بلغت الباب إذا هو مستلق على فراشه والعود في يده وهو يصنع هذا الصوت ويردّده، وقد اسحنفر⁣(⁣٣) في نغمه وتنوق⁣(⁣٤) فيها حتى / استقام له، وهو:

  صوت

  ألا ليلك لا يذهب ... ونيط الطَّرف بالكوكب

  وهذا الصّبح لا يأتي ... ولا يدنو ولا يقرب

  فلمّا سمعته علمت أنّي [إن]⁣(⁣٥) دخلت إليك أمسك، فوقفت أستمعه حتى فرغ منه وأخذته عنه؛ فلما فرغ منه وضع العود من يده، وذكر أنه قد طلبني فقال: يا غلام، أين دمن؟ فقلت: هأنذي؛ فقال: مذكم أنت واقفة؟

  فقلت: منذ ابتدأت بالصوت وقد أخذته؛ فنظر إليّ نظر مغضب أسف، ثم قال: غنّيه، فغنّيته حتى استوفيته؛ فقال لي وقد فتر وخجل: قد بقيت عليك فيه بقيّة أنا أصلحها لك؛ فقلت: لست أحتاج إلى إصلاحك إياه، وقد واللَّه أخذته على رغمك؛ فضحك. لحن هذا الصوت من الهزج بالبنصر، والشعر والغناء لإسحاق.

  غنى إبراهيم بن المهديّ عند المعتصم صوتا لابن جامع فأظهر هو خطأ فيه ثم هزأ بإبراهيم:

  أخبرنا يحيى بن عليّ قال قال لي إسحاق:

  كنت عند المعتصم وعنده إبراهيم بن المهديّ، فغنّى إبراهيم صوتا لابن جامع أخلّ ببعضه، ثم قال:

  يا أمير المؤمنين، ترك ابن جامع الناس يحجلون خلفه ولا يلحقونه. وفي هذا الصوت خاصّة؛ فقلت: واللَّه يا أمير المؤمنين، ما صدق، / وما هذا الصوت بتامّ الأجزاء؛ فقال: كذب واللَّه يا أمير المؤمنين؛ فقلت: يا سيّدي، أنا أوقفه على نقصانه، فمره فليعد يا أمير المؤمنين؛ فأعاد البيت الأوّل فأقامه وطمع في الإصابة؛ فقلت: آفته في


(١) همت: أصله «هممت» حذفت إحدى الميمين تخفيفا. وشرط جواز هذا الحذف في الماضي أن تكون عينه مكسورة نحو ظل تقول فيه: «ظللت» على الإتمام و «ظلت» (بفتح أوّله أو بكسره بنقل حركة عين الفعل إلى الفاء) على الحذف. ولكن ابن الأنباري حكى «همت» في هممت مع أنه مفتوح العين. وهم بالشيء: نواه وأراده.

(٢) كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «وهو مثخن سكران».

(٣) كذا صححه الأستاذ الشنقيطي في نسخته. واسحنفر في الشيء: مضى فيه ولم يتمكث. وفي الأصول: «استخفر».

(٤) تنوّق في الشيء: جوّده وتأنق فيه.

(٥) التكملة عن أ، ح، م.