كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم

صفحة 188 - الجزء 5

  سمعت الواثق يقول: ما غنّاني إسحاق قط إلا ظننت أنه قد زيد لي في ملكي، ولا سمعته يغنّي غناء ابن سريج إلا ظننت أنّ ابن سريج قد نشر، وإنه ليحضرني غيره إذا لم يكن حاضرا، فيتقدّمه عندي وفي نفسي بطيب⁣(⁣١) الصوت، حتى إذا اجتمعا عندي رأيت إسحاق يعلو ورأيت من ظننته يتقدّمه ينقص؛ وإنّ إسحاق لنعمة / من نعم الملك التي لم يحظ⁣(⁣٢) بمثلها؛ ولو أنّ العمر والشباب والنشاط مما يشترى لأشتريتهنّ له بشطر ملكي.

  سأل المأمون أن يكون دخوله إليه مع العلماء ثم مع الفقهاء:

  أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال:

  سأل إسحاق الموصليّ المأمون أن يكون دخوله إليه مع أهل العلم والأدب والرّواة لا مع المغنّين، فإذا أراده للغناء غنّاه؛ فأجابه إلى ذلك؛ ثم سأله بعد حين أن يأذن له في الدخول مع الفقهاء؛ فأذن له. قال: فحدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر أنه كان هو ومخارق وعلَّويه جلوسا في حجرة لهم ينتظرون جلوس المأمون وخروج الناس من عنده، إذ دخل يحيى بن أكثم وعليه سواده⁣(⁣٣) وطويلته، ويده في يد إسحاق يماشيه، حتى جلس معه بين يدي المأمون، فكاد علَّويه أن يجنّ، وقال: يا قوم، أسمعتم بأعجب من هذا! يدخل قاضي القضاة ويده في يد مغنّ حتى يجلسا بين يدي الخليفة!. ثم مضت على ذلك مدّة، فسأل إسحاق المأمون أن يأذن له في لبس السواد يوم الجمعة والصلاة معه في المقصورة؛ قال: فضحك المأمون وقال: ولا كلّ ذا يا إسحاق! وقد اشتريت منك هذه المسألة بمائة ألف درهم؛ وأمر له بها.

  ما كان يمتاز به في مجلس الواثق:

  حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني أبو عبد اللَّه بن حمدون قال:

  كان المغنّون جميعا يحضرون مجلس الواثق وعيدانهم معهم إلا إسحاق، فإنه كان يحضر بلا عود للشرب والمجالسة؛ فإن أمره الخليفة أن يغنّي أحضر له عودا، فإذا غنّى وفرغ سلّ من بين يديه إلى أن يطلبه. وكان الواثق كثيرا ما يكنّيه، رفعا له / من أن يدعوه باسمه؛ وكان إذا غنّى وفرغ الواثق من شرب قدحه قطع الغناء ولم يعد منه حرفا إلا أن يكون في بعض بيت فيتمّه، ثم يقطع ويضع العود من يده.

  علي بن يحيى يحدث عن تفوّقه في فنه:

  أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه في خبر ذكر إسحاق⁣(⁣٤) فيه، فقال: وعارض معبدا وابن سريج فانتصف منهما، وكان إبراهيم بن المهديّ يناظره ويجادله في الغناء وينازعه في صناعته، / ولم يبلغه؛ وما رأيت بعد إسحاق مثله.


(١) في ب، س: «يطيب الصوت» بالياء المثناة التحتية، وهو تصحيف.

(٢) في ب، س: «لم يحظ أحد بمثلها».

(٣) السواد: شعار بني العباس كان يرتديه أشياعهم. والطويلة: قلنسوة عالية مدعمة بعيدان كان يلبسها القضاة. (انظر الحاشيتين رقم ٢، ٣ من الجزء الأوّل من هذا الكتاب ص ٤١٤، من هذه الطبعة). وفي ب، ح، س: «سوادة وطيلية». وفي أ، ء، م: «سوادة وطويلة»، وكلاهما تحريف.

(٤) في الأصول: «في خبر ذكره إسحاق فيه».