11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم
  عابه إبراهيم بن المهدي بترك التحريك في الغناء فبعث هو إليه بكلام غاظه:
  أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللَّه بن مالك قال قال لي محمد بن راشد الخنّاق(١):
  سمعت علَّويه يقول لإسحاق بن إبراهيم الموصليّ: إن إبراهيم بن المهديّ يعيبك بتركك تحريك الغناء؛ فقال له إسحاق: ليتنا نفي بما علمناه، فإنا لا نحتاج إلى الزيادة فيه. [ثم](٢) قال له: فإنه يزعم أنّ حلاوة الغناء تحريكه، وتحريكه عنده أن يكون كثير النّغم، وليس يفعل ذلك، إنما يسقط بعض عمله لعجزه عنه، فإذا فعل ذلك فهو بالإضافة إلى حاله الأولى بمنزلة الأسكدار(٣) للكتاب، وهو حينئذ بأن يسمّى المحذوف أشبه منه بأن يسمّى المحرّك؛ فضحك علَّويه ثم قال: فإن إبراهيم يسمّي غناءكم هذا الممسك المناديّ؛ قال إسحاق: هذا من لغات الحاكة؛ لأنهم يسمّون الثوب الجافي(٤) الكثير العرض والطول المداديّ؛ وعلى هذا القياس فينبغي لنا أن نسمّي غناءه المحرّك الضّرابيّ، وهو الخفيف السخيف(٥) من الثياب في لغة الحاكة، حتى ندخل الغناء / في جملة الحياكة ونخرجه عن جملة الملاهي؛ ثم قال لعلَّويه؛ بحياتي عليك إلَّا ما أعدت عليه ما جرى؛ فقال له: لا وحياتك لا فعلت؛ فإنه يعلم ميلي إليكم، ولكن عليك بأبي جعفر محمد بن راشد الخنّاق؛ فكلمه إسحاق وأقسم عليه أن يؤيده(٦)، ففعل وسار إلى إبراهيم فأخبره، فجعل كلَّما أخبره شيئا تغيّظ وشتم إسحاق بأقبح شتم؛ ثم جاءه ابن راشد فأخبره؛ فجعل(٩) كلَّما أخبره بشيء من ذلك ضحك وصفّق سرورا لغيظ إبراهيم من قوله.
  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ قال حدّثني علي بن محمد النّوفليّ قال أخبرني محمد بن راشد الخنّاق قال:
  إني لفي منزلي يوما مع الظهر إذ دخل عليّ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فسررت بمكانه؛ فقال: قد جاءت بي إليك حاجة؛ قال قلت: قل ما شاء اللَّه؛ قال: دعني في بيتك، ودع غلاميك عندي: بديحا وسليمان - وكانا خادمين مغنّيين - ومرهما أن يغنّياني، وأتني بفلان ليغنّيني أيضا، بحياتي عليك، وانطلق إلى إبراهيم ابن المهديّ، فإنه سيسرّ بمكانك، فاشرب معه أقداحا، ثم قل [له](٨): يا سيّدي، أسألك عن شيء، فإذا قال: سل، فقل له:
  أخبرني عن قولك:
  ذهبت من الدنيا وقد ذهبت منّي
  أيّ شيء كان معنى صنعتك فيه؟ وأنت تعلم أنه لا يجوز في غنائك الذي صنعته فيه إلا أن تقول: «ذهبتو» بالواو، فإن قلت: «ذهبت» ولم تمدّها انقطع اللحن والشعر، وإن مددتها قبح الكلام وصار على كلام النّبط؛ فقلت له: يا أبا محمد، كيف أخاطب / إبراهيم بهذا؟ فقال: هو حاجتي إليك وقد كلَّفتك إياها، فإن استحسنت أن تردّني
(١) كذا في ب، ح هنا وفيما سيأتي في أكثر الأصول، وفي سائر الأصول هنا: «الخفاف».
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) الأسكدار: كلمة فارسية معناها حامل البريد.
(٤) الجافي من الثياب: الغليظ.
(٥) السخيف من الثياب: القليل الغزل.
(٦) كذا في الأصول. ولعل صوابه: «يؤديه» أي يبلغه.
(٧) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فجعل كلما جاءه وأخبره ... إلخ» وظاهر أن كلمة «جاءه و» هنا مقحمة.
(٨) الزيادة عن ح.