كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

3 - أخبار دحمان ونسبه

صفحة 308 - الجزء 6

  معتزلا بها ناحية في محمل وأطرح على المحمل من أعبية⁣(⁣١) الجمّالين، وأجلس أنا وهي تحت ظلَّها، فأخرج شيئا فنأكله، ونضع ركوة⁣(⁣٢) فيها⁣(⁣٣) لنا شراب، فنشرب ونتغنّى حتى نرحل. ولم نزل كذلك حتى قربنا من الشأم. فبينا أنا ذات يوم نازل وأنا ألقي عليها لحني:

  صوت

  لو ردّ ذو شفق حمام منيّة ... لرددت عن⁣(⁣٤) عبد العزيز حماما

  صلَّى عليك اللَّه من مستودّع ... جاورت بوما⁣(⁣٥) في القبور وهاما⁣(⁣٦)

  / - الشعر لكثيّر⁣(⁣٧) يرثي عبد العزيز بن مروان. وزعم بعض الرواة أن هذا الشعر ليس لكثيّر وأنه لعبد الصمد بن عليّ الهشاميّ يرثي ابنا له. والغناء لدحمان، ولحنه من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر -.

  قال: فرددته عليها حتى أخذته واندفعت تغنّيه، فإذا أنا براكب قد طلع فسلم علينا فرددنا #؛ فقال:

  أتأذنون⁣(⁣٨) لي أن أنزل تحت ظلَّكم هذا ساعة؟ قلنا نعم، فنزل؛ وعرضت عليه طعامنا وشرابنا فأجاب، فقدّمنا إليه السّفرة فأكل وشرب معنا، واستعاد الصوت مرارا. ثم قال للجارية: أتغنّين لدحمان شيئا؟ قالت نعم. قال: فغنّته أصواتا من صنعتي، وغمزتها ألا تعرّفه أني دحمان؛ فطرب وامتلأ سرورا وشرب أقداحا والجارية تغنّيه حتى قرب وقت الرحيل؛ فأقبل عليّ وقال: أتبيعني هذه الجارية؟ فقلت نعم؛ قال: بكم؟ قلت كالعابث: بعشرة آلاف دينار؛ قال: قد أخذتها بها، فهلمّ دواة وقرطاسا، فجئته بذلك؛ فكتب: «ادفع إلى حامل كتابي هذا حين تقرؤه عشرة آلاف دينار، واستوص به خيرا وأعلمني بمكانه» وختم الكتاب ودفعه إليّ؛ ثم قال: أتدفع إليّ الجارية أم تمضي بها معك حتى تقبض مالك؟ فقلت: بل أدفعها إليك؛ فحملها وقال: إذا جئت البخراء⁣(⁣٩) فسل عن فلان وادفع كتابي هذا إليه واقبض منه مالك؛ ثم انصرف بالجارية. قال: ومضيت، فلما وردت البخراء سألت عن اسم الرجل، فدللت عليه، فإذا داره دار ملك، فدخلت عليه ودفعت إليه الكتاب، فقبّله ووضعه / على عينيه، ودعا بعشرة آلاف دينار فدفعها إليّ، وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين، وقال لي: اجلس حتى أعلم أمير المؤمنين بك؛ فقلت له: حيث كنت فأنا عبدك وبين يديك، وقد كان أمر لي بأنزال⁣(⁣١٠) وكان بخيلا، فاغتنمت⁣(⁣١١) ذلك فارتحلت؛ وقد كنت أصبت بجملين، وكانت عدّة أجمالي خمسة عشر فصارت ثلاثة عشر. قال: وسأل عنّي الوليد، فلم يدر القهرمان أين يطلبني؛ فقال


(١) الأعبية: جمع عباء وهو ضرب من الأكسية.

(٢) الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.

(٣) في ب، س: «ركوة لنا فيها لنا شراب».

(٤) في ب، س: «من».

(٥) في ب، س و «تجريد الأغاني»: «رمسا».

(٦) الهام: طير الليل وهو الصدى، واحده هامة.

(٧) نسب هذا الشعر في «تجريد الأغاني» لإسماعيل بن يسار.

(٨) في ب: «أتأذنوا». وفي س: «أتؤذنوا»، وكلاهما تحريف.

(٩) البخراء: أرض وماءة على ميلين من القليعة في طرف الحجاز، وبها قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك. وفي ب، س: «النجراء» (بنون بعدها جيم) وهو تصحيف.

(١٠) الأنزال: جمع نزل (بضمتين وبضم فسكون) وهو ما هيئ للضيف أن ينزل عليه.

(١١) في جميع الأصول: «فاغتم»، ولا يستقيم بها الكلام.