كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

3 - أخبار دحمان ونسبه

صفحة 309 - الجزء 6

  له الوليد: عدّة جماله خمسة عشر جملا فاردده⁣(⁣١) إليّ؛ فلم أوجد، لأنه لم يكن في الرّفقة من معه خمسة عشر جملا، ولم يعرف / اسمي فيسأل عنّي. قال: وأقامت الجارية عنده شهرا لا يسأل عنها، ثم دعاها بعد أن استبرئت⁣(⁣٢) وأصلح من شأنها، فظلّ معها يومه، حتى إذا كان في آخر نهاره قال لها: غنّيني لدحمان فغنّت؛ وقال لها: زيديني فزادت. ثم أقبلت عليه فقالت: يا أمير المؤمنين، أو ما سمعت غناء دحمان منه؟ قالا لا؛ قالت: بلى واللَّه؛ قال: أقول لك لا، فتقولين بلى واللَّه! فقالت: بلى واللَّه لقد سمعته؛ قال: وما ذاك؟ ويحك! قالت: إنّ الرجل الذي اشتريتني منه هو دحمان؛ قال: أو ذلك هو؟ قالت: نعم، هو هو؛ قال: فكيف لم أعلم؟ قالت:

  غمزني بألَّا أعلمك. فأمر فكتب إلى عامل المدينة بأن يحمل إليه دحمان، فحمل فلم يزل عنده أثيرا⁣(⁣٣).

  دحمان في مجلس أمير من أمراء المدينة:

  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثنا ابن جامع قال:

  / تذاكروا يوما كبر الأيور بحضرة بعض أمراء المدينة فأطالوا القول؛ ثم قال بعضهم: إنما يكون كبر أير الرجل على قدر حر أمّه؛ فالتفت الأمير إلى دحمان فقال: يا دحمان، كيف أيرك؟ فقال له: أيها الأمير، أنت لم ترد أن تعرف كبر أيري، وإنما أردت أن تعرف مقدار حر أمّي. وكان دحمان طيّبا ظريفا.

  ظرفه وفكاهة له مع رجل شتمه:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال:

  أوّل ما عرف من ظرف دحمان أنّ رجلا مرّ به يوما، فقال له: أير حماري في حر أمّك يا دحيم؛ فلم يفهم ما قاله، وفهمه رجل كان حاضرا معه فضحك؛ فقال: ممّ ضحكت؟ فلم يخبره؛ فقال له: أقسمت عليك إلَّا أخبرتني؛ قال: إنه شتمك فلا أحبّ استقبالك بما قاله لك؛ فقال: واللَّه لتخبرنّي كائنا ما كان؛ فقال له: قال: كذا وكذا من حماري في حر أمّك؛ فضحك ثم قال: أعجب واللَّه وأغلظ عليّ من شتمه كنايتك عن أير حماره وتصريحك بحر أمّي لا تكني.

  جعفر بن سليمان أمير المدينة والمغنون:

  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني أبو خالد يزيد بن محمد المهلَّبيّ قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن الرّبيع المديني⁣(⁣٤) قال حدّثني الرّبعيّ المغنّي قال:

  قال لنا جعفر بن سليمان وهو أمير المدينة: اغدوا على قصري بالعقيق غدا؛ وكنت أنا ودحمان وعطرّد، فغدوت للموعد، فبدأت بمنزل دحمان وهو في جهينة⁣(⁣٥)، فإذا هو وعطرّد قد اجتمعا على قدر يطبخانها، وإذا السماء تبغش⁣(⁣٦)، فأذكرتهما الموعد، فقالا: أما ترى يومنا هذا ما أطيبه! اجلس حتى نأكل من هذه القدر ونصيب


(١) كذا في أكثر الأصول و «تجريد الأغاني». وفي ب، س: «فارددها»، وهو تحريف.

(٢) استبراء الرجل الجارية: ألا يمسها بعد ملكها حتى تبرأ رحمها ويتبين حالها أهي حامل أم لا.

(٣) كذا في أكثر الأصول. والأثير: المكرم. وفي ب، س: «أسيرا»، وهو تحريف.

(٤) في ح: «المدني».

(٥) كذا في جميع الأصول. ولعلها محرّفة عن: «جهته» إذ جهينة قرية من نواحي الموصل على دجلة، ويبعد أن تكون هي المرادة هنا.

(٦) بغشت السماء تبغش (من باب قطع): أمطرت البغشة وهي المطرة الضعيفة.