3 - أخبار دحمان ونسبه
  له الوليد: عدّة جماله خمسة عشر جملا فاردده(١) إليّ؛ فلم أوجد، لأنه لم يكن في الرّفقة من معه خمسة عشر جملا، ولم يعرف / اسمي فيسأل عنّي. قال: وأقامت الجارية عنده شهرا لا يسأل عنها، ثم دعاها بعد أن استبرئت(٢) وأصلح من شأنها، فظلّ معها يومه، حتى إذا كان في آخر نهاره قال لها: غنّيني لدحمان فغنّت؛ وقال لها: زيديني فزادت. ثم أقبلت عليه فقالت: يا أمير المؤمنين، أو ما سمعت غناء دحمان منه؟ قالا لا؛ قالت: بلى واللَّه؛ قال: أقول لك لا، فتقولين بلى واللَّه! فقالت: بلى واللَّه لقد سمعته؛ قال: وما ذاك؟ ويحك! قالت: إنّ الرجل الذي اشتريتني منه هو دحمان؛ قال: أو ذلك هو؟ قالت: نعم، هو هو؛ قال: فكيف لم أعلم؟ قالت:
  غمزني بألَّا أعلمك. فأمر فكتب إلى عامل المدينة بأن يحمل إليه دحمان، فحمل فلم يزل عنده أثيرا(٣).
  دحمان في مجلس أمير من أمراء المدينة:
  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثنا ابن جامع قال:
  / تذاكروا يوما كبر الأيور بحضرة بعض أمراء المدينة فأطالوا القول؛ ثم قال بعضهم: إنما يكون كبر أير الرجل على قدر حر أمّه؛ فالتفت الأمير إلى دحمان فقال: يا دحمان، كيف أيرك؟ فقال له: أيها الأمير، أنت لم ترد أن تعرف كبر أيري، وإنما أردت أن تعرف مقدار حر أمّي. وكان دحمان طيّبا ظريفا.
  ظرفه وفكاهة له مع رجل شتمه:
  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال:
  أوّل ما عرف من ظرف دحمان أنّ رجلا مرّ به يوما، فقال له: أير حماري في حر أمّك يا دحيم؛ فلم يفهم ما قاله، وفهمه رجل كان حاضرا معه فضحك؛ فقال: ممّ ضحكت؟ فلم يخبره؛ فقال له: أقسمت عليك إلَّا أخبرتني؛ قال: إنه شتمك فلا أحبّ استقبالك بما قاله لك؛ فقال: واللَّه لتخبرنّي كائنا ما كان؛ فقال له: قال: كذا وكذا من حماري في حر أمّك؛ فضحك ثم قال: أعجب واللَّه وأغلظ عليّ من شتمه كنايتك عن أير حماره وتصريحك بحر أمّي لا تكني.
  جعفر بن سليمان أمير المدينة والمغنون:
  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني أبو خالد يزيد بن محمد المهلَّبيّ قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن الرّبيع المديني(٤) قال حدّثني الرّبعيّ المغنّي قال:
  قال لنا جعفر بن سليمان وهو أمير المدينة: اغدوا على قصري بالعقيق غدا؛ وكنت أنا ودحمان وعطرّد، فغدوت للموعد، فبدأت بمنزل دحمان وهو في جهينة(٥)، فإذا هو وعطرّد قد اجتمعا على قدر يطبخانها، وإذا السماء تبغش(٦)، فأذكرتهما الموعد، فقالا: أما ترى يومنا هذا ما أطيبه! اجلس حتى نأكل من هذه القدر ونصيب
(١) كذا في أكثر الأصول و «تجريد الأغاني». وفي ب، س: «فارددها»، وهو تحريف.
(٢) استبراء الرجل الجارية: ألا يمسها بعد ملكها حتى تبرأ رحمها ويتبين حالها أهي حامل أم لا.
(٣) كذا في أكثر الأصول. والأثير: المكرم. وفي ب، س: «أسيرا»، وهو تحريف.
(٤) في ح: «المدني».
(٥) كذا في جميع الأصول. ولعلها محرّفة عن: «جهته» إذ جهينة قرية من نواحي الموصل على دجلة، ويبعد أن تكون هي المرادة هنا.
(٦) بغشت السماء تبغش (من باب قطع): أمطرت البغشة وهي المطرة الضعيفة.