كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - أخبار أعشى همدان ونسبه

صفحة 332 - الجزء 6

  كلَّا يا عدوّ اللَّه، بل عبد الرحمن بن الأشعث هو الذي خرّ من زلق فتبّ، وحار وانكبّ، وما / لقي ما أحب؛ ورفع بها صوته واربدّ وجهه واهتزّ منكباه، فلم يبق أحد في المجلس إلا أهمّته نفسه وارتعدت فرائصه. فقال له الأعشى بل أنا القائل أيها الأمير:

  /

  أبى اللَّه إلا أن يتم نوره ... ويطفئ نار الفاسقين فتخمدا

  وينزل ذلَّا بالعراق وأهله ... كما نقضوا⁣(⁣١) العهد الوثيق المؤكَّدا

  وما لبث الحجاج أن سلّ سيفه ... علينا فولَّى جمعنا وتبدّدا

  وما زاحف الحجاج إلا رأيته ... حساما ملقّى للحروب معوّدا

  فكيف رأيت اللَّه فرّق جمعهم ... ومزّقهم عرض البلاد وشرّدا

  بما نكثوا من بيعة بعد بيعة ... إذا ضمنوها اليوم خاسوا⁣(⁣٢) بها غدا

  وما أحدثوا من بدعة وعظيمة ... من القول لم تصعد إلى اللَّه مصعدا

  ولمّا دلفنا لابن يوسف ضلَّة⁣(⁣٣) ... وأبرق منا العارضان وأرعدا

  قطعنا إليه الخندقين وإنما ... قطعنا وأفضينا إلى الموت مرصدا⁣(⁣٤)

  فصادمنا الحجاج دون صفوفنا ... كفاحا ولم يضرب لذلك موعدا

  بجند أمير المؤمنين وخيله ... وسلطانه أمسى معانا مؤيّدا

  ليهنئ أمير المؤمنين ظهوره ... على أمة كانوا بغاة وحسّدا

  وجدنا بني مروان خير أئمة ... وأعظم هذا الخلق حلما وسؤددا

  وخير قريش في قريش أرومة ... وأكرمهم إلَّا النبيّ محمدا

  إذا ما تدبّرنا عواقب أمرنا ... وجدنا أمير المؤمنين المسدّدا

  سيغلب قوما⁣(⁣٥) غالبوا اللَّه جهرة⁣(⁣٦) ... وإن كايدوه كان أقوى وأكيدا

  كذاك يضلّ اللَّه من كان قلبه ... ضعيفا ومن والى النفاق وألحدا

  / فقد تركوا الأموال والأهل خلفهم ... وبيضا عليهن الجلابيب خرّدا⁣(⁣٧)

  ينادينهم مستعبرات إليهم ... ويذرين دمعا في الخدود وإثمدا


(١) في «الطبري» (ق ٢ ص ١١١٤): «لما نقضوا». وفيه رواية أخرى في بعض نسخة أشير إليها في هامشه وهي: «بما نقضوا».

(٢) خاس: غدر ونكث.

(٣) الضلة (بالكسر): ضد الهدى.

(٤) مرصدا: مترقبا.

(٥) كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «قوم».

(٦) كذا في «الطبري». وفي م: «حيلة». وفي سائر الأصول: «جهلة».

(٧) الخرد: جمع خريدة، وهو جمع نادر، لأن فعيلة لا تجمع على فعل، بل القياس: خرائد وخرد (بضمتين). والخريدة من النساء البكر التي لم تمسس قط؛ وقيل: هي الحيية الطويلة السكوت الخافضة الصوت الخفرة المستترة قد جاوزت الإعصار ولم تعنس.