كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

7 - أخبار عبادل ونسبه

صفحة 364 - الجزء 6

  ثم تقول فيها:

  أعبد الواحد الميمون⁣(⁣١) إني ... أغصّ حذار سخطك بالقراح

  فبأي شيء استوجب ذلك منك؟ فقال: إني أخبرك بالقصة لتعذرني: أصابتني أزمة⁣(⁣٢) بالمدينة، فاستنهضتني بنت عمّي للخروج؛ فقلت لها: ويحك! إنه ليس عندي ما يقلّ جناحي؛ فقالت: أنا أنهضك بما أمكنني، وكانت عندي ناب لي فنهضت عليها نهجّد النوّام ونؤذي السمّار، وليس من منزل أنزله إلا قال الناس: ابن هرمة! حتى دفعت إلى دمشق، فأويت إلى مسجد عبد الواحد في جوف الليل، فجلست فيه أنتظره إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر، فإذا الباب ينفلق⁣(⁣٣) عن رجل كأنه البدر، فدنا فأذّن ثم صلَّى ركعتين، وتأملته فإذا هو عبد الواحد، فقمت فدنوت منه وسلَّمت عليه؛ فقال لي: أبو إسحاق! أهلا ومرحبا؛ فقلت لبّيك، بأبي أنت وأمي! وحيّاك اللَّه بالسلام وقرّبك من رضوانه؛ فقال: أما آن لك أن تزورنا؟ فقد طال العهد واشتدّ الشوق، فما وراءك؟ قلت: لا تسلني - بأبي أنت وأمي - فإن الدهر قد أخنى عليّ فما وجدت مستغاثا غيرك؛ فقال: لا ترع فقد وردت على ما تحب إن شاء / اللَّه. فو اللَّه إني لأخاطبه فإذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشطان⁣(⁣٤)، فسلَّموا عليه، فاستدنى الأكبر منهم فهمس إليه بشيء دوني ودون أخويه؛ فمضى إلى البيت ثم رجع، فجلس إليه فكلَّمه بشيء دوني ثم ولَّى، فلم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط⁣(⁣٥) يحمل عبئا من الثياب حتى ضرب به بين يديّ؛ ثم همس إليه ثانية فعاد، / وإذا به قد رجع ومعه مثل ذلك، فضرب به بين يديّ. فقال لي عبد الواحد: ادن يا أبا إسحاق، فإني أعلم أنك لم تصر إلينا حتى تفاقم صدعك، فخذ هذا وارجع إلى عيالك، فو اللَّه ما سللنا لك هذا إلا من أشداق عيالنا؛ ودفع إليّ ألف دينار، وقال لي: قم فارحل فأغث من وراءك؛ فقمت إلى الباب، فلما نظرت إلى ناقتي ضقت؛ فقال لي: تعال، ما أرى هذه مبلغتك، يا غلام، قدّم له جملي فلانا. فو اللَّه لقد كنت بالجمل أشدّ سرورا مني بكل ما نلته؛ فهل تلومني أن أغصّ حذار سخط هذا بالقراح! وو اللَّه ما أنشدته ليلتئذ بيتا واحدا.

  مدح المنصور فعاتبه لمدحه بني أمية ثم أكرمه:

  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدّثني محمد بن عمر الجرجانيّ قال حدّثني عثمان⁣(⁣٦) بن حفص الثّقفيّ قال حدّثني محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين - صلَّى اللَّه عليه - قال:

  دخلت مع أبي على المنصور بالمدينة وهو جالس في دار مروان، فلما اجتمع الناس قام ابن هرمة فقال:

  يا أمير المؤمنين، جعلني اللَّه فداءك، شاعرك وصنيعتك إن رأيت أن تأذن لي في الإنشاد؛ قال هات؛ فأنشده قوله:

  سرى⁣(⁣٧) ثوبه عنك الصّبا المتخايل


(١) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «المحمود» وقد اتفقت عليها جميع الأصول قبل هذا الموضع بقليل.

(٢) في ح: «أصابتني أزمة وقحمة بالمدينة». والقحمة السنة الشديدة والقحط.

(٣) في ح: «ينبلق».

(٤) الأشطان: جمع شطن وهو الحبل، وقيل الحبل الطويل.

(٥) ضابط: قوي شديد.

(٦) كذا في ح. وقد مر في أكثر من موضع في الأجزاء السابقة: وفي سائر الأصول هنا: «عمر بن حفص الثقفي».

(٧) سرى عنه الثوب: كشفه.