كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

7 - أخبار عبادل ونسبه

صفحة 365 - الجزء 6

  حتى انتهى إلى قوله:

  له لحظات عن حفافي⁣(⁣١) سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل

  فأمّ الذي آمنت آمنة الرّدى ... وأمّ الذي خوّفت بالثّكل ثاكل

  / فقال له المنصور: أما لقد رأيتك في هذه الدار قائما بين يدي عبد الواحد بن سليمان تنشده قولك فيه:

  وجدنا غالبا كانت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح

  قال: فقطع بابن هرمة حتى ما قدر على الاعتذار؛ فقال له المنصور: أنت رجل شاعر طالب خير، وكل ذلك يقول الشاعر، وقد أمر لك أمير المؤمنين بثلاثمائة دينار. فقام إليه الحسن بن زيد فقال: يا أمير المؤمنين، إن ابن هرمة رجل منفاق متلاف لا يليق⁣(⁣٢) شيئا، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر له بها يجرى عليه منها ما يكفيه ويكفي عياله ويكتب بذلك إلى صاحب الجاري⁣(⁣٣) أن يجريها عليهم فعل؛ فقال: افعلوا ذلك به. قال: وإنما فعل به الحسن بن زيد هذا لأنه كان مغضبا عليه لقوله يمدح عبد اللَّه بن حسن:

  ما غيّرت وجهه أمّ مهجّنة ... إذا القتام تغشّى أوجه الهجن

  حدّثني يحيى بن علي بن يحيى، وأخبرنا ابن أبي الأزهر وجحظة قالا حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، قال يحيى بن علي في خبره عن الفضل بن يحيى، ولم يقله الآخران:

  دخل ابن هرمة على المنصور وقال: يا أمير المؤمنين، إني قد مدحتك مديحا لم يمدح أحد أحدا بمثله؛ / قال:

  وما عسى أن تقول فيّ بعد قول كعب الأشقريّ⁣(⁣٤) في المهلَّب:

  /

  براك اللَّه حين براك بحرا ... وفجّر منك أنهارا غزارا

  فقال له: قد قلت أحسن من هذا؛ قال: هات، فأنشده قوله:

  له لحظات عن⁣(⁣٥) حفافي سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل

  قال: فأمر له بأربعة آلاف درهم. فقال له المهديّ: يا أمير المؤمنين، قد تكلَّف في سفره إليك نحوها؛ فقال له المنصور: يا بنيّ، إني قد وهبت له ما هو أعظم من ذلك، وهبت له نفسه، أليس هو القائل لعبد الواحد بن سليمان:

  إذا قيل من خير من يرتجى ... لمعترّ⁣(⁣٦) فهر ومحتاجها

  ومن يعجل الخيل يوم الوغى ... بإلجامها قبل إسراجها

  أشارت نساء بني غالب ... إليك به قبل أزواجها


(١) حفاف الشيء: جانبه.

(٢) لا يليق شيئا: أي ما يمسكه ولا يلصق به.

(٣) كذا في ب، س. والظاهر أنه يريد بالجاري الدائم المتصل من الوظائف. وفي سائر الأصول: «الجار».

(٤) هو كعب بن معدان، من الأزد وأمه من عبد القيس، شاعر فارس خطيب معدود في الشجعان، من أصحاب المهلب. وهذا البيت من قصيدة له يمدح بها المهلب ويذكر قتاله الأزارقة. وله ترجمة تقع في «الأغاني» (ج ١٣ ص ٥٦ - ٦٤ طبع بولاق).

(٥) كذا في ح هنا وفيما مضى في جميع الأصول. وفي سائر الأصول هنا: «في».

(٦) المعتر: الفقير والمتعرض للمعروف من غير أن يسأل.