8 - أخبار المرقش الأكبر ونسبه
  طلب المرقّش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره فعرف أنّ مرقّشا كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو(١) بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه وأقبل راعيها إليها. فلما بصر به قال له: من أنت وما شأنك؟ فقال له مرقّش: أنا رجل من مراد، وقال للراعي(٢): من أنت؟ قال: راعى فلان، وإذا هو راعى زوج أسماء. فقال له مرقّش: أتستطيع أن تكلَّم أسماء امرأة صاحبك؟ قال: لا، ولا أدنو منها؛ ولكن تأتيني جاريتها كلّ ليلة فأحلب لها عنزا فتأتيها بلبنها.
  فقال له: خذ خاتمي هذا، فإذا حلبت فألقه في اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيرا لم يصبه راع قطَّ إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه؛ فانطلقت الجارية به وتركته بين يديها. فلما سكنت الرّغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيّتها، فأخذته واستضاءت بالنار فعرفته؛ فقالت للجارية: / ما هذا الخاتم؟ قالت: ما لي به علم؛ فأرسلتها إلى مولاها وهو في شرف(٣) بنجران؛ فأقبل فزعا؛ فقال لها: لم دعوتني؟ قالت له: ادّع عبدك راعي غنمك فدعاه؛ فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم! قال: وجدته مع رجل في كهف خبّان(٤). - قال: ويقال كهف جبار - فقال: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء فإنك مصيب به خيرا، وما أخبرني من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم؟
  قالت: خاتم مرقّش، فأعجل السّاعة في طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من ليلتهما فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء. وقال قبل أن يموت:
  سرى ليلا خيال من سليمى ... فأرّقني وأصحابي هجود
  فبتّ أدير أمري كلّ حال ... وأذكر أهلها وهم بعيد
  على أن قد سما طرفي لنار ... يشبّ لها بذي الأرطى(٥) وقود
  / حواليها مها بيض التّراقي(٦) ... وآرام وغزلان رقود
  نواعم لا تعالج بؤس عيش ... أوانس لا تروح(٧) ولا ترود
  يرحن معا بطاء المشيء بدّا(٨) ... عليهنّ المجاسد والبرود
  سكنّ ببلدة وسكنت أخرى ... وقطَّعت المواثق والعهود
  فما بالي أفي ويخان عهدي ... وما بالي أصاد ولا أصيد
  / وربّ أسيلة الخدّين بكر ... منعّمة لها فرع وجيد(٩)
(١) كذا في ح و «تجريد الأغاني». وفي سائر الأصول: «هم» وهو تحريف.
(٢) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «قال فراعي من أنت».
(٣) في «المفضليات»: «شرب» جمع شارب.
(٤) في الأصول: «جبان» (بالجيم) وهو تصحيف. والتصويب عن كتاب «معجم ما استعجم» و «معجم البلدان» و «شرح المفضليات».
(٥) الأرطى: شجر ينبت بالرمل وهو شبيه الغصى، ينبت عصيا من أصل واحد ويطول قدر قامة، وله نور مثل نور الخلاف ورائحته طيبة.
(٦) في «المفضليات»: «جم التراقي». يريد أن عظامها قد غمرها اللحم فلا حجم لها.
(٧) في «المفضليات»: «لا تراح».
(٨) بد: جمع أبد والأنثى بداء. وهو كثرة لحم الفخذين حتى تصطكا.
(٩) استشهد بهذا البيت في النحو على حذف الصفة وإبقاء الموصوف، أي لها فرع فاحم وجيد طويل. إذ هذا البيت للمدح، وهو لا يحصل بإثبات الفرع والجيد مطلقين بل بإثباتهما موصوفين بصفتين محبوبتين.