9 - المرقش الأصغر
  فاطمة بنت المنذر، وكانت لها وليدة يقال لها بنت عجلان، وكان لها قصر [بكاظمة](١) وعليه حرس. وكان الحرس يجرّون كل ليلة حوله الثياب فلا يطؤه أحد إلا بنت عجلان. وكان لبنت عجلان في كلّ ليلة رجل من أهل الماء يبيت عندها. فقال عمرو بن جناب(٢) بن مالك لمرقّش: إنّ بنت عجلان تأخذ كلّ عشيّة رجلا ممن يعجبها فيبيت معها.
  وكان مرقّش ترعية(٣) لا يفارق إبله، فأقام بالماء وترك إبله ظمأى، وكان من أجمل الناس وجها وأحسنهم شعرا.
  وكانت فاطمة بنت المنذر تقعد فوق القصر فتنظر إلى الناس. فجاء مرقّش فبات عند ابنة عجلان؛ حتى إذا كان من الغد تجرّدت عند مولاتها. فقالت لها: ما هذا بفخذيك؟ - وإذا نكت كأنها التين(٤) وكآثار السّياط من شدّة حفزه إياها عند الجماع - قالت: آثار رجل بات معي الليلة. وقد كانت فاطمة قالت لها: لقد رأيت رجلا جميلا راح نحونا بالعشيّة لم أره قبل ذلك؛ قالت: فإنه فتى قعد عن إبله وكان يرعاها، وهو الفتى الجميل الذي رأيته، وهو الذي بات معي فأثر فيّ هذه / الآثار. قالت لها فاطمة: فإذا كان غد وأتاك فقدّمي له مجمرا ومريه أن يجلس عليه وأعطيه سواكا، فإن استاك به أوردّه فلا خير فيه، وإن قعد على المجمر أوردّه فلا خير فيه. فأتته بالمجمر فقالت له: اقعد عليه؛ فأبى وقال: أدنيه مني، فدخّن لحيته وجمّته وأبى أن يقعد عليه، وأخذ السواك فقطع رأسه واستاك به. فأتت ابنة عجلان فاطمة فأخبرتها بما صنع؛ فازدادت به عجبا وقالت: ائتيني به. فتعلقت به كما كانت تتعلق، فمضى معها وانصرف أصحابه. فقال القوم حين انصرفوا: لشدّ ما علقت بنت عجلان المرقّش! وكان الحرس ينثرون التراب حول قبّة فاطمة بنت المنذر ويجرّون عليه ثوبا حين تمسي ويحرسونها فلا يدخل عليها إلا ابنة عجلان؛ فإذا كان الغد بعث الملك بالقافة فينظرون أثر من دخل إليها ويعودون فيقولون له: لم نر إلا أثر بنت عجلان. فلما كانت تلك الليلة حملت بنت عجلان مرقّشا على ظهرها وحزمته / إلى بطنها بثوب، وأدخلته إليها فبات معها. فلما أصبح بعث الملك بالقافة فنظروا وعادوا إليه فقالوا: نظرنا أثر بنت عجلان وهي مثقلة. فلبث بذلك حينا يدخل إليها. فكان عمرو بن جناب بن عوف بن مالك يرى ما يفعل ولا يعرف مذهبه. فقال له: ألم تكن عاهدتني عهدا لا تكتمني شيئا ولا أكتمك ولا نتكاذب؟! فأخبره مرقّش الخبر؛ فقال له: لا أرضى عنك ولا أكلَّمك أبدا أو تدخلني عليها، وحلف على ذلك. فانطلق المرقّش إلى المكان الذي كان يواعد فيه بنت عجلان فأجلسه فيه وانصرف وأخبره كيف يصنع، وكانا متشابهين غير أن عمرو بن جناب كان أشعر، فأتته بنت عجلان فاحتملته وأدخلته إليها وصنع ما أمره به مرقش. فلما أراد مباشرتها وجدت شعر فخذيه فاستنكرته، وإذا هو يرعد؛ فدفعته بقدمها في صدره وقالت: قبّح اللَّه سرّا عند المعيدي. ودعت بنت عجلان فذهبت به، وانطلق إلى موضع صاحبه. فلما رآه قد أسرع الكرّة ولم يلبث إلا قليلا، علم أنه قد / افتضح، فعضّ على إصبعه فقطعها. ثم انطلق إلى أهله وترك المال الذي كان فيه - يعني الإبل التي كان مقيما فيها - حياء مما صنع. وقال مرقش في ذلك:
(١) زيادة عن ح و «المفضليات» و «تجريد الأغاني». وكاظمة: على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان وفيها آبار كثيرة وماؤها شروب واستسقاؤها ظاهر.
(٢) كذا في «تجريد الأغاني» و «المفضليات» وفيما سيأتي في جميع الأصول. وفي ح: «عمرو بن حباب». وفي سائر الأصول:
«حسان». وكلاهما تحريف.
(٣) رجل ترعية (مثلثة الأول مع تشديد الياء وقد تخفف) وترعاية (بالكسر) وتراعية (بالضم) وترعى (بالكسر): يجيد رعية الإبل، أو صناعته وصناعة آبائه رعاية الإبل.
(٤) كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «البثر». وفي ب و «المفضليات»: «التبن». وقد أشير في هامش «المفضليات» إلى أن هذه الرواية (التين) لا معنى لها، وأنه يحتمل أن يكون محرفة عن «النبر» وهو الورم في الجسد.