10 - وقعة دولاب وأخبار الشراة
  ١٠ - خبر الوقعة التي قيل فيها هذان الشعران وهي وقعة دولاب وشئ من أخبار هؤلاء الشراة وأنسابهم وخبر أم حكيم هذه
  وقعة دولاب وشئ من أخبار الشراة:
  هذان الشعران قيلا في وقعة دولاب، وهي قرية من عمل الأهواز، بينها وبين الأهواز نحو من أربعة فراسخ، كانت بها حرب بين الإزارقة وبين مسلم بن عبيس بن كريز خليفة عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وذلك في أيام ابن الزبير. أخبرني بخبر هذه الحرب أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ عن عمر بن شبّة عن المدائني، وأخبرني بها عبيد اللَّه بن محمد الرازي عن الخرّاز عن المدائنيّ، وأخبرني الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير بن حرب عن خالد بن خداش:
  أن نافع بن الأزرق، لمّا تفرقت آراء الخوارج ومذاهبهم في أصول مقالتهم أقام بسوق الأهواز وأعمالها لا يعترض الناس، وقد كان متشكَّكا في ذلك. فقالت له امرأته: إن كنت قد كفرت بعد إيمانك وشككت فيه، فدع نحلتك ودعوتك، وإن كنت قد خرجت من الكفر إلى الإيمان فاقتل الكفّار حيث لقيتهم وأثخن في النساء والصبيان كما قال نوح: {لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً}. فقبل قولها واستعرض(١) الناس وبسط سيفه، فقتل الرجال والنساء والولدان، وجعل يقول: إن هؤلاء إذا كبروا كانوا مثل آبائهم. وإذا وطيء بلدا فعل مثل هذا به إلى أن يجيبه أهله جميعا ويدخلوا ملَّته، فيرفع السيف ويضع الجباية فيجبي الخراج. فعظم أمره واشتدّت شوكته وفشا عمّاله في السواد. فارتاع لذلك أهل البصرة ومشوا إلى الأحنف بن قيس فشكوا إليه أمرهم وقالوا له: ليس بيننا وبين القوم إلا ليلتان، / وسيرتهم كما ترى؛ فقال لهم الأحنف: إنّ سيرتهم في مصر كم إن ظفروا به مثل سيرتهم في سوادكم، فخذوا في جهاد عدوّكم. وحرّضهم الأحنف، فاجتمع إليه عشرة آلاف رجل في السلاح. فأتاه عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، وسأله أن يؤمّر عليهم أميرا، فاختار لهم مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة، وكان فارسا شجاعا ديّنا، فأمّره عليهم وشيّعه. فلما نفذ من جسر البصرة أقبل على الناس وقال: إني ما خرجت لامتيار ذهب ولا وفضة، وإني لأحارب قوما إن ظفرت بهم فما وراءهم إلا سيوفهم ورماحهم. فمن كان من شأنه الجهاد فلينهض، ومن أحبّ الحياة فليرجع. فرجع نفر يسير ومضى الباقون معه؛ فلما صاروا بدولاب خرج إليهم نافع بن الأزرق، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى تكسّرت الرماح وعقرت الخيل وكثرت الجراح والقتلى، وتضاربوا بالسيوف والعمد؛ فقتل في المعركة ابن عبيس وهو على أهل البصرة، وذلك في جمادى الآخرة سنة خمس وستين، وقتل نافع بن الأزرق يومئذ أيضا؛ فعجب الناس من ذلك، وأنّ الفريقين تصابروا حتى قتل منهم خلق كثير، وقتل رئيسا العسكرين،
(١) استعرض الناس: قتلهم ولم يبال من قتل مسلما أو كافرا من أي وجه أمكنه.