كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

10 - وقعة دولاب وأخبار الشراة

صفحة 387 - الجزء 6

  والشّراة يومئذ ستّمائة رجل، فكانت الحدّة يومئذ وبأس الشراة واقعا ببني⁣(⁣١) تميم وبني سدوس. وأتى ابن عبيس وهو يجود بنفسه فاستخلف على الناس الرّبيع بن عمرو / الغدانيّ، وكان يقال له الأجذم، كانت يده أصيبت بكابل مع عبد الرحمن بن سمرة. واستخلف نافع بن الأزرق عبيد اللَّه بن بشير بن الماحوز⁣(⁣٢) أحد بني سليط بن يربوع. فكان رئيسا المسلمين والخوارج جميعا من بني يربوع، رئيس المسلمين من بني غدانة بن يربوع، ورئيس الشّراة من بني سليط بن يربوع، / فاتّصلت الحرب بينهم عشرين يوما. قال المدائني في خبره: وادّعى قتل نافع بن الأزرق رجل من باهلة يقال له سلامة. وتحدّث بعد ذلك قال: كنت لما قتلته على برذون⁣(⁣٣) ورد فإذا أنا برجل ينادي، وأنا واقف في خمس⁣(⁣٤) بني تميم⁣(⁣٥)، فإذا به يعرض عليّ المبارزة فتغافلت عنه، وجعل يطلبني وأنا أنتقل من خمس إلى خمس وليس يزايلني، فصرت إلى رحلي ثم رجعت فدعاني إلى المبارزة، فلما أكثر خرجت إليه، فاختلفنا ضربتين فضربته فصرعته، ونزلت فأخذت رأسه وسلبته، فإذا امرأة⁣(⁣٦) قد رأتني حين قتلت نافعا، فخرجت لتثأر به. قالوا: فلما قتل نافع وابن عبيس وولَّي الجيش إلى ربيع بن عمرو لم يزل⁣(⁣٧) يقاتل الشّراة نيّفا وعشرين يوما، ثم أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: إني مقتول لا محالة؛ قالوا: وكيف ذلك؟ قال: إني رأيت البارحة كأنّ يدي التي أصيبت بكابل انحطَّت من السماء فاستشلتني. فلما كان الغد قاتل إلى الليل ثم غاداهم⁣(⁣٨) فقتل يومئذ - قال: استشلاه: أخذه إليه. يقال:

  استشلاه واشتلاه - قال: فلما قتل الربيع تدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب إذ لم يكن لهم رئيس؛ ثم أجمعوا على الحجّاج بن باب الحميريّ. وقد اقتتل الناس يومئذ وقبله بيومين قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله، تطاعنوا بالرماح حتى تقصّفت، / ثم تضاربوا بالسيوف والعمد حتى لم يبق لأحد منهم قوة، وحتى كان الرجل منهم يضرب الرجل فلا يغني شيئا من الإعياء، وحتى كانوا يترامون بالحجارة ويتكادمون⁣(⁣٩) بالأفواه. فلما تدافع القوم الراية وأبوها واتّفقوا على الحجّاج بن باب امتنع من أخذها. فقال له كريب بن عبد الرحمن: خذها فإنها مكرمة؛ فقال:

  إنها لراية مشئومة، ما أخذها أحد إلا قتل. فقال له كريب: يا أعور! تقارعت العرب على أمرها ثم صيّروها إليك فتأبى خوف القتل! خذ اللواء ويحك! فإن حضر أجلك قتلت إن كانت معك أو لم تكن. فأخذ اللواء وناهضهم، فاقتتلوا حتى انتقضت الصفوف وصاروا كراديس⁣(⁣١٠)، والخوارج أقوى عدّة بالدروع والجواشن⁣(⁣١١). وجعل الحجّاج يغمض عينيه ويحمل حتى يغيب في الشّراة ويطعن فيهم ويقتل حتى يظنّ أنه قد قتل، ثم يرفع رأسه وسيفه يقطر


(١) كذا في أ،. وفي سائر الأصول: «بين تميم ...».

(٢) كذا في «الكامل» للمبرد في أكثر من موضع و «الطبري». وفي جميع الأصول: «الماخور». (بالخاء المعجمة والراء المهملة).

(٣) البرذون: واحد البرادين، وهي من الخيل ما كانت من غير نتاج العرب.

(٤) كذا في ح هنا وفيما يأتي و «الكامل» للمبرد. وأخماس البصرة خمسة: الخمس الأول العالية، والثاني بكر بن وائل، والثالث تميم، والرابع عبد القيس، والخامس الأزد. وفي سائر الأصول هنا وفيما يأتي: «خميس».

(٥) في «الكامل» (ج ٢ ص ٦١٧ طبع أوروبا): «وأنا واقف في خمس قيس (صوابه عبد القيس) ينادي: يا صاحب الورد، هلم إلى المبارزة، فوقفت في خمس بني تميم فإذا به يعرضها عليّ ... إلخ».

(٦) كذا في ح و «الكامل» للمبرد. وفي سائر الأصول: «فإذا هي امرأته ... إلخ».

(٧) في ب، س: «ولم يزل».

(٨) كذا في «الكامل» للمبرد. وغاداهم: باكرهم. وفي جميع الأصول: «ثم عاد ... إلخ».

(٩) تكادموا بالأفواه: تعاضوا.

(١٠) الكراديس: كتائب الخيل، واحدها كردوس.

(١١) الجواشن: جمع جوشن وهو زرد يلبسه الصدر.