كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

10 - وقعة دولاب وأخبار الشراة

صفحة 388 - الجزء 6

  دما، ويفتح عينيه فيرى الناس كراديس يقاتل كلّ قوم في ناحية. ثم التقى الحجّاج بن باب وعمران بن الحارث الراسبيّ⁣(⁣١)، فاختلفا ضربتين كلّ واحد منهما قتل صاحبه، وجال الناس بينهما جولة ثم تحاجزوا؛ و. أصبح أهل البصرة - وقد هرب عامّتهم، وولَّوا حارثة بن بدر الغدانيّ أمرهم - ليس بهم طرق⁣(⁣٢) ولا بالخوارج. فقالت امرأة من الشّراة - وهي أم عمران قاتل الحجّاج بن باب وقتيله - ترثي ابنها عمران:

  أللَّه أيّد عمرانا وطهّره ... وكان عمران يدعو اللَّه في السّحر

  / يدعوه سرّا وإعلانا ليرزقه ... شهادة بيدي ملحادة⁣(⁣٣) غدر

  ولَّى صحابته عن حرّ ملحمة ... وشدّ عمران كالضرّغامة⁣(⁣٤) الذكر⁣(⁣٥)

  قال: فلما عقدوا لحارثة بن بدر الرياسة وسلَّموا إليه الراية نادى فيهم بأن يثبتوا، فإذا فتح اللَّه عليهم فللعرب زيادة فريضتين وللموالي زيادة فريضة؛ فندب الناس فالتقوا وليس بأحد منهم طرق، وقد فشت فيهم الجراحات فلهم أنين، وما تطأ الخيل إلا على القتلى. فبينما هم كذلك إذ أقبل من اليمامة جمع من الشّراة - يقول المكثّر إنهم مائتان والمقلَّل إنهم أربعون - فاجتمعوا وهم يريحون مع أصحابهم⁣(⁣٦) واجتمعوا كبكبة⁣(⁣٧) واحدة، فحملوا على المسلمين.

  فلما رآهم حارثة بن بدر نكص برايته فانهزم وقال:

  كرنبوا⁣(⁣٨) ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا⁣(⁣٩)

  وقال:

  أير الحمار فريضة لعبيدكم ... والخصيتان فريضة الأعراب

  / وتتابع الناس على أثره منهزمين، وتبعتهم الخوارج، فألقوا أنفسهم في دجيل⁣(⁣١٠) فغرق منهم خلق كثير


(١) كذا في أ، ء و «الكامل». وفي سائر الأصول: «الراسي».

(٢) كذا في أكثر الأصول. والطرق (بالكسر): القوة. وفي ب، س: «لهم طرف» بالفاء وهو تصحيف.

(٣) الملحادة: مفعال من الإلحاد (وهو الجور والعدول عن الدين) كما يقال رجل معطاء ومكرام. وأدخلت الهاء للمبالغة كما تدخل في راوية وعلامة ونسابة. وغدر (بضم ففتح): كثير الغدر.

(٤) الضرغامة: من أسماء الأسد.

(٥) في «الكامل»: «الهصر» والهصر: الذي يهصر كل شيء أي يثنيه.

(٦) في ب، س: «مع أصحائهم» ولا معنى لها.

(٧) الكبكبة: الجماعة.

(٨) كذا في ح و «الطبري» (ق ٢ ص ٥٨٠) و «معجم البلدان». وكرنبوا: أنزلوا كرنبي وهي موضع بالأهواز. ودولبوا: أنزلوا دولاب.

وفي سائر الأصول: «أكرنبوا» وهو تحريف.

(٩) يقال: إن سبب قول الحارثة هذا الشعر هو أنه لما خلف الحجاج بن باب على إمرة الجيش وجاء الخوارج هذا المدد الكثير المريح حملوا على المسلمين فانهزموا، وبقي حارثة يناوش الخوارج بمنزل نزله بمن بقي معه بالأهواز. فلما ولي ابن الزبير عمر بن عبد اللَّه بن معمر على البصرة أرسل عمر أخاه عثمان لقتال الأزارقة وانضم إليه حارثة. ثم كان بين عثمان وحارثة خلاف اعتزل بسببه حارثة. ثم لما أفضى الأمر في محاربة الخوارج إلى المهلب وبلغ حارثة بن بدر أن المهلب قد أمر على الجيش لقتال الخوارج قال لمن معه:

كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا

قد أمر المهلب

فذهب من كان معه إلى البصرة، فردهم الحارث بن عبد اللَّه إلى المهلب. (راجع «الطبري» في حوادث سنة ٦٥).

(١٠) دجيل: نهر بالأهواز حفره أردش بن بابك أحد ملوك الفرس، واسمه بالفارسية: «ديلدا كودك» ومعناه: دجلة الصغير فعرب على