كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

10 - وقعة دولاب وأخبار الشراة

صفحة 390 - الجزء 6

  وكان لعبد القيس أوّل جدّها ... وولَّت شيوخ الأزد فهي تعوم⁣(⁣١)

  فلم أر يوما كان أكثر مقعصا ... يمجّ دما من فائظ وكليم⁣(⁣٢)

  وضاربة خدّا كريما على فتى ... أغرّ نجيب الأمهات كريم

  أصيب بدولاب ولم تك موطنا ... له أرض دولاب ودير حميم⁣(⁣٣)

  فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنا ... تبيح من الكفّار كلّ حريم

  رأت فتية باعوا الإله نفوسهم ... بجنّات عدن عنده ونعيم

  حدّثني حبيب بن نصر المهلَّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا خلَّاد⁣(⁣٤) الأرقط قال:

  / كان الشّراة والمسلمون يتواقفون ويتساءلون بينهم عن أمر الدّين وغير ذلك على أمان وسكون فلا يهيج بعضهم بعضا. فتواقف يوما عبيدة بن هلال اليشكريّ وأبو حزابة⁣(⁣٥) التّميمي وهما في الحرب؛ فقال عبيدة: يا أبا حزابة، إني سائلك عن أشياء، أفتصدقني في الجواب عنها؟ قال: نعم إن تضمّنت لي مثل ذلك؛ قال: قد فعلت.

  قال: سل عما بدا لك. قال: ما تقول في أئمتكم؟ قال: يبيحون الدم الحرام والمال الحرام والفرج الحرام. قال:

  ويحك! فكيف فعلهم في المال؟ قال: يجبونه من غير حلَّه، وينفقونه في غير حقه. قال: فكيف فعلهم في اليتيم؟

  قال: يظلمونه ماله، ويمنعونه حقه، وينيكون أمّه. قال: ويلك يا أبا حزابة! أفمثل هؤلاء تتّبع؟! قال: قد أجبت، فاسمع سؤالي ودع عنك عتابي على رأيي؛ قال: قل. قال: أيّ الخمر أطيب: أخمر السهل أم خمر الجبل؟ قال:

  ويلك! أتسأل مثلي عن هذا؟ قال: قد أوجبت على نفسك أن تجيب؛ قال: أمّا إذ أبيت فإنّ خمر الجبل أقوى وأسكر، وخمر السهل أحسن وأسلس. قال أبو حزابة: فأيّ الزّواني أفره: أزواني رامهرمز⁣(⁣٦) أم زواني أرّجان⁣(⁣٧)؟

  قال: ويلك! إن مثلي لا يسأل عن مثل هذا؛ قال: لابدّ من الجواب أو تغدر؛ فقال: أمّا إذ أبيت فزواني رامهرمز أرقّ أبشارا، وزواني أرّجان أحسن أبدانا. قال: فأيّ الرجلين أشعر: أجرير أم الفرزدق؟ قال: عليك وعليهما لعنة اللَّه! أيهما الذي يقول:

  /

  وطوى الطَّراد مع القياد⁣(⁣٨) بطونها ... طيّ التّجار بحضر موت برودا


(١) في هذا البيت إقواء.

(٢) المقعص: يقال: أقعصه بالرمح إذا طعنه به فمات مكانه. والفائظ: الميت، فعله فاظ يفيظ ويفوظ فيظا وفوظا. والكليم: الجريح.

(٣) دير حميم: موضع بالأهواز، ذكره ياقوت واستشهد بهذا البيت.

(٤) هو خلاد بن يزيد الباهلي البصري المعروف بالأرقط صهر يونس بن حبيب النحوي.

(٥) كذا في ح. وهو الوليد بن حنيفة أحد بني ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، شاعر من شعراء الدولة الأموية. (راجع «شرح القاموس» مادة حزب. وترجمته في «الأغاني» ج ١٩ ص ١٥٢ - ١٥٦ طبع بولاق). وفي سائر الأصول: «أبو خرابة» (بالخاء المعجمة والراء المهملة) وهو تصحيف.

(٦) رامهرمز: مدينة مشهورة بنواحي خوزستان والعامة يسمونها «رامز» اختصارا.

(٧) أرجان (بفتح الألف وبتشديد الراء مفتوحة - وقيل بسكونها - وجيم وألف ونون، وعامة العجم يسمونها «أرغان»): مدينة كبيرة كثيرة الخير بها نخيل وزيتون وفواكه، وهي برية بحرية سهلية جبلية، وبينها وبين سوق الأهواز ستون فرسخا.

(٨) كذا في أ، ء و «ديوان جرير». وهو من قصيدة طويلة مطلعها:

أهوى أراك برامتين وقودا ... أم بالجنينة من مدافع أودا

وفي سائر الأصول: «الغياد» (بالغين المعجمة) وهو تحريف.