كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

11 - أخبار سياط ونسبه

صفحة 393 - الجزء 6

  طلبه المهدي مع حبال وعقاب فظن الحاضرون أنه يريد الإيقاع بهم:

  غنّى إبراهيم الموصليّ يوما صوتا لسياط؛ فقال له ابنه إسحاق: لمن هذا الغناء يا أبت؟ قال: لمن لو عاش ما وجد أبوك شيئا يأكله؛ لسياط. قال: وقال المهديّ يوما وهو يشرب لسلَّام الأبرش⁣(⁣١): جئني بسياط وعقاب وحبال؛ فارتاع كلّ من حضر وظنّ جميعهم أنه يريد الإيقاع بهم أو ببعضهم؛ فجاءه بسياط المغنّي وعقاب المدني - وكان الذي يوقع عليه - وحبال الزامر. فجعل الجلساء يشتمونهم والمهديّ يضحك.

  مر بأبي ريحانة المدني وهو في الشمس من البرد فغنى له فشق ثوبه وبقي في البرد:

  أخبرني محمد بن خلف قال حدّثني أبو أيوب المدنيّ قال حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال:

  مرّ سياط على أبي ريحانة المدنيّ في يوم بارد وهو جالس في الشمس وعليه ثوب رقيق رثّ؛ فوثب إليه / أبو ريحانة وقال: بأبي أنت يا أبا وهب، غنّني صوتك في شعر ابن جندب⁣(⁣٢):

  /

  فؤادي رهين في هواك ومهجتي ... تذوب وأجفاني عليك همول

  فغنّاه إياه، فشقّ قميصه ورجع إلى موضعه من الشمس وقد ازداد بردا وجهدا. فقال له رجل: ما أغنى عنك ما غنّاك من شقّ قميصك! فقال له يا بن أخي، إن الشعر الحسن من المغنّي الحسن ذي الصوت المطرب أدفأ للمقرور من حمّام محمّى. فقال له رجل: أنت عندي من الذين قال اللَّه جل وعزّ: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ}؛ فقال: بل أنا من الذين قال تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه ُ}. وقد أخبرني بهذا الخبر عليّ بن عبد العزيز⁣(⁣٣) عن ابن خرداذبه فذكر قريبا من هذا؛ ولفظ أبي أيوب وخبره أتم.

  وأخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعي، المعروف بابن أبي اليسع، قال حدّثنا عمر بن شبّة:

  أنّ سياطا مرّ بأبي ريحانة المدنيّ، فقال له: بحق القبر ومن غنّني بلحنك في شعر ابن جندب:

  لكلّ حمام أنت باك إذا بكى ... ودمعك منهلّ وقلبك يخفق

  مخافة بعد بعد قرب وهجرة ... تكون ولمّا تأت والقلب مشفق

  ولي مهجة ترفضّ من خوف عتبها ... وقلب بنار الحبّ يصلى ويحرق

  أظلّ خليعا بين أهلي متيّما ... وقلبي لما يرجوه منها معلَّق

  فغنّاه إياه؛ فلما استوفاه ضرب بيده على قميصه فشقّه حتى خرج منه وغشي عليه. فقال له رجل لمّا أفاق:

  يا أبا ريحانة، ما أغنى عنك الغناء! ثم ذكر باقي الخبر مثل ما تقدّم.


(١) كذا في ح و «الطبري» في أكثر من موضع وفيما مر في جميع الأصول في الجزء الخامس. وهو سلام الأبرش من النقلة القدماء الذين ترجموا من اللغات إلى اللغة العربية في أيام البرامكة، وهو أحد الذين ترجموا كتاب السماع الطبيعي لأرسطو المعروف بسماع الكيان، وهو ثماني مقالات. وقد ترجم هذا الكتاب من اليوناني إلى السرياني ومنها إلى العربي، ومن الرومي إلى العربي، ولم ندر اللغة التي ترجمه منها إلى اللغة العربية أهي السريانية أم الرومية. (راجع «فهرست ابن النديم» و «تاريخ الحكماء» للقفطي و «كشف الظنون»). وفي سائر الأصول هنا: «سلام بن الأبرش»، وهو تحريف.

(٢) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «في شعر ابن جندب قال ... إلخ». والظاهر أن كلمة «قال» مقحمة من الناسخ.

(٣) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «علي بن عبد العزيز بن خرداذبه» وهو تحريف؛ لأن ابن خرداذبه هو عبيد اللَّه بن عبد اللَّه. وقد سبقت رواية علي بن عبد العزيز عنه.