15 - أخبار يحيى المكي ونسبه
  لو كنت جالست يحيى أو سمعت به ... لم تمتدح أبدا ما عشت إنسانا
  ولم تقل سفها في(١) منية(٢) عرضت ... يا ليت دحمان قبل الموت غنّانا
  لقد عجبت لدحمان ومادحه ... لا كان مادح دحمان ولا كانا
  ما كان كابن صغير العين إذ جريا ... بل قام في غاية المجرى وما دانى
  بذّ الجياد أبو بكر وصيّرها ... من بعد ما قرحت جذعا وثنيانا(٣)
  يعني بأبي بكر ابن صغير العين، وهو من مغنّي مكة. وله أخبار(٤) تذكر في موضعها إن شاء اللَّه تعالى.
  منزلته في الغناء وتلاميذه:
  وعمّر يحيى المكي مائة وعشرين سنة، وأصاب بالغناء ما لم يصبه أحد من نظرائه، ومات وهو صحيح السمع والبصر والعقل. وكان قدم مع الحجازيين الذين قدموا على المهديّ في أوّل خلافته، فخرج أكثرهم وبقي يحيى بالعراق هو وولده / يخدمون الخلفاء إلى أن انقرضوا. وكان آخرهم محمد بن أحمد بن يحيى المكي، وكان يغنّي مرتجلا، ويحضر مجلس المعتمد مع المغنين فيوقع بقضيب على دواة. ولقيه جماعة من أصحابنا، وأخذ عنه جماعة ممن أدركنا(٥) من عجائز المغنيّات، منهم قمرية العمريّة، وكانت أمّ ولد عمرو بن بانة. وممن أدركه من أصحابنا جحظة، وكتبنا عنه عن ابن المكي هذا حكايات حسنة من أخبار أهله. وكان ابن جامع وإبراهيم الموصليّ وفليح يفزعون إليه في الغناء القديم ويأخذونه عنه، ويعايي(٦) بعضهم بعضا بما يأخذه منه ويغرب به على أصحابه؛ فإذا خرجت لهم الجوائز أخذوا(٧) منها ووفّروا نصيبه. وله صنعة عجيبة نادرة متقدّمة. وله كتاب في الأغاني ونسبها وأخبارها [وأجناسها](٨) كبير جليل مشهور، إلا أنه كان كالمطَّرح عند الرواة لكثرة تخليطه في رواياته. والعمل على كتاب ابنه أحمد، فإنه صحّح كثيرا مما أفسده أبوه، وأزال ما عرفه من تخاليط أبيه، وحقّق ما نسبه من الأغاني إلى صانعه. وهو يشتمل على نحو ثلاثة آلاف صوت.
  عمل كتابا في الأغاني وأهداه لعبد اللَّه بن طاهر فصححه ابنه لمحمد بن عبد اللَّه:
  أخبرني عبد اللَّه بن الرّبيع قال حدّثني وسواسة بن الموصلي قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي قال:
  عمل جدّي كتابا في الأغاني وأهداه إلى عبد اللَّه بن طاهر، وهو يومئذ شابّ حديث السن، فاستحسنه وسرّ به؛
(١) في أ، ء، م: «من».
(٢) المنية (بالضم وتكسر): البغية وما يتمنى.
(٣) قرح الفرس: صار قارحا. والقارح من ذي الحافر: الذي شق نابه وطلع، وهو بمنزلة البازل من الإبل، وذلك في الخامسة من سنه.
والجذع (بضمتين وسكن لضرورة الشعر): جمع جذع (بالتحريك) وهو ما كان في الثانية من سنه. والثنيان (بالضم): جمع ثنى وهو ما كان في الثالثة من سنه.
(٤) لم نجد لأبي بكر هذا أخبارا في «الأغاني» المطبوع في بولاق. فلعل المؤلف أنسى أن يذكره، أو ذكره وسقط من الكتاب.
(٥) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ممن دركناه».
(٦) كذا في أكثر الأصول. وعايا فلان فلانا معاياة: ألقى إليه كلاما أو عملا لا يهتدي لوجهه. وفي ب، س: «يعاني». وهو تصحيف.
(٧) في ب: «أخذوه» وقد صححها المرحوم الشنقيطي في نسخته فجعلها: «أحذوه» (بالحاء المهملة). وأحذاه من الغنيمة: أعطاه.
(٨) زيادة عن أ، ء، م.