15 - أخبار يحيى المكي ونسبه
  ثم عرضه على إسحاق فعرّفه عوارا(١) كثيرا / في نسبه، لأن جدّي كان لا يصحّح لأحد نسبه صوت البتّة، وينسب صنعته إلى المتقدمين، وينحل بعضهم صنعة بعض ضنّا بذلك على غيره، فسقط من عين عبد اللَّه وبقي في خزانته؛ ثم وقع إلى محمد بن عبد اللَّه، فدعا أبي، وكان إليه محسنا وعليه مفضلا، فعرضه عليه؛ فقال له: إن في هذه(٢) النّسب تخليطا كثيرا، خلَّطها / أبي لضنه بهذا الشأن على الناس، ولكني أعمل لك كتابا أصحح هذا وغيره فيه. فعمل له كتابا فيه اثنا عشر ألف صوت وأهداه إليه، فوصله محمد بثلاثين ألف درهم. وصحّح له الكتاب الأوّل أيضا فهو في أيدي الناس. قال وسواسة: وحدّثني حمّاد أن أباه إسحاق كان يقدّم يحيى المكيّ تقديما كثيرا ويفضّله(٣) ويناضل(٤) أباه وابن جامع فيه، ويقول: ليس يخلو يحيى فيما يرويه من الغناء الذي لا يعرفه أحد منكم من أحد أمرين: إمّا أن يكون محقّا [فيه](٥) كما يقول، فقد علم ما جهلتم، أو يكون من صنعته وقد نحله المتقدّمين، كما تقولون، فهو أفضل [له](٥) وأوضح لتقدّمه عليكم. قال: وكان أبي يقول: لولا ما أفسد به يحيى المكي نفسه من تخليطه في رواية الغناء على المتقدّمين وإضافته إليهم ما ليس لهم وقلَّة ثباته على ما يحكيه من ذلك، لما تقدّمه أحد. وقال محمد بن الحسن الكاتب: كان يحيى يخلَّط في نسب الغناء تخليطا كثيرا، ولا يزال يصنع الصوت بعد الصوت يتشبّه فيه بالغريض مرّة وبمعبد أخرى وبابن سريج وابن محرز، ويجتهد في إحكامه وإتقانه حتى يشتبه على سامعه؛ فإذا حضر مجالس الخلفاء غنّاه على ما أحدث [فيه](٦) من ذلك، فيأتي بأحسن(٧) صنعة وأتقنها، / وليس أحد يعرفها؛ فيسأل عن ذلك فيقول: أخذته عن فلان وأخذه فلان عن يونس أو عن نظرائه من رواة الأوائل، فلا يشكّ في قوله، ولا يثبت لمباراته أحد، ولا يقوم لمعارضته ولا يفي بها؛ حتى نشأ إسحاق فضبط الغناء وأخذه من مظانّه ودوّنه، وكشف عوار يحيى في منحولاته وبيّنها للناس.
  أظهر إسحاق غلطه فأرسل له هدايا وعاتبه:
  أخبرني عمّي [قال] سمعت عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر يذكر عن أحمد بن سعيد المالكيّ - وكان مغنيا منقطعا إلى طاهر وولده وكان من القوّاد - قال:
  حضرت يحيى المكيّ يوما وقد غنّى صوتا فسئل عنه فقال: هذا لمالك - ولم يحفظ أحمد بن سعيد الصوت - ثم غنّى لحنا لمالك فسئل عن صانعه فقال: هذا لي؛ فقال له إسحاق: قلت ماذا؟ فديتك، وتضاحك به. فسئل عن صانعه فأخبر به، ثم غنّى الصوت. فخجل يحيى حتى أمسك عنه؛ ثم غنّى بعد ساعة في الثقيل الأوّل، واللحن:
  صوت
  إنّ الخليط أجدّ فاحتملا ... وأراد غيظك بالذي فعلا
(١) العوار (مثلثة): العيب.
(٢) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «هذا».
(٣) في ب، س: «ويصله».
(٤) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ويواصل» وهو تحريف.
(٥) زيادة عن ح.
(٦) هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
(٧) في ب، س: «أحسن».