15 - أخبار يحيى المكي ونسبه
  فاستردّه سيّدنا وأحبّ أن يأخذه، فجعل يحيى يفسده. وفطن الأمين بذلك، فأمر له بعشرين ألف درهم وأمره بردّه وترك التخليط، فدعا له وقبّل الأرض بين يديه وردّ الصوت وجوّده؛ ثم استعاده. فقال له يحيى: ليست تطيب لك نفسي به إلا بعوض من مالك، ولا أنصحك واللَّه فيه، فهذا مال مولاي أخذته، فلم تأخذ أنت غنائي! فضحك الأمين وحكم على إبراهيم بعشرة آلاف درهم فأحضرها. فقبّل يحيى يده وأعاد الصوت وجوّده، فنظر إلى مخارق وعلَّويه يتطلَّعان لأخذه فقطع الصوت؛ ثم أقبل عليهما وقال: قطعة من خصية الشيخ تغطي أستاه عدّة صبيان، واللَّه لا أعدته بحضرتكما. ثم أقبل على مولانا - تعنيان إبراهيم بن المهدي - فقال: يا سيّدي، إني أصير إليك حتى تأخذه عنّي متمكَّنا ولا يشركك فيه أحد. فصار إليه فأعاده حتى أخذه عنه، وأخذناه معه.
  غنى للرشيد بتل دارا فأكرمه:
  أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا أبو أيّوب المديني قال حدّثني أحمد بن يحيى المكي عن أبيه قال:
  / أرسل إليّ هارون الرشيد، فدخلت إليه وهو جالس على كرسيّ بتلّ دارا(١)، فقال: يا يحيى، غنّني:
  متى تلتقي الألَّاف والعيس كلَّما ... تصعّدن من واد هبطن إلى واد
  فلم أزل أغنّيه إيّاه ويتناول قدحا إلى أن أمسى. فعددت عشر مرّات استعاد فيها الصوت، وشرب عشرة أقداح، ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم، وأمرني بالانصراف.
  مدح إسحاق غناءه وذكر أصواتا له:
  وقال محمد بن أحمد بن يحيى المكي في خبره حدّثني أبي أحمد بن يحيى قال:
  قال لي إسحاق: يا أبا جعفر، لأبيك مائة وسبعون صوتا، من أخذها عنه بمائة وسبعين ألف درهم فهو الرابح. فقلت لأبي: أيّ شيء تعرف منها؟ فقال: لحنه في شعر الأخطل:
  صوت
  خفّ القطين فراحوا منك وابتكروا(٢) ... وأزعجتهم نوّى في صرفها غير
  كأنني شارب يوم استبدّ بهم ... من قهوة عتّقتها حمص أو جدر(٣)
  لحن يحيى المكيّ في هذين البيتين ثقيل أول - هكذا في الخبر - ولإبراهيم فيهما ثقيل أوّل آخر، ولابن سريج رمل.
(١) دارا (بالقصر): بلدة في لحف جبل بين نصيبين وماردين، وهي من بلاد الجزيرة، ذات بساتين ومياه جارية، ومن أعمالها يجلب المحلب الذي تتطيب به الأعراب، وعندها كان معسكر دارا الملك بن قباذ الملك لما لقي الإسكندر المقدوني، فقتله الإسكندر وتزوج ابنته. وبنى في موضع معسكره هذه المدينة وسماها باسمه. وهي أيضا قلعة حصينة في جبال طبرستان، وواد في ديار بني عامر.
(٢) في أ، ء، م و «ديوان الأخطل»:
... أو بكروا»
وهذان البيتان من قصيدة له من فاخر شعره، قالها يمدح عبد الملك بن مروان ويهجو قيسا وبني كليب.
(٣) جدر: قرية بين حمص وسلمية، تنسب إليها الخمر، وهي قرب دير إسحاق. وقد ورد الشطر الأخير في «ديوانه» و «معجم البلدان» هكذا:
«من قرقف ضمنتها حمص أو جدر»