16 - أخبار النميري ونسبه
  - غنّى ابن سريج في الأوّل وبعده «مررن بفخ» وبعده «يخمرن أطراف البنان»، ولحنه ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق - قال أبو زيد: فبلغت هذه القصيدة عبد الملك بن مروان، فكتب إلى الحجّاج: قد بلغني قول الخبيث في زينب، فاله عنه وأعرض عن ذكره، فإنك إن أدنيته أو عاتبته أطمعته، وإن عاقبته صدّقته.
  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو سلمة الغفاريّ قال:
  هرب النّميريّ من الحجّاج إلى عبد الملك واستجار به؛ فقال له عبد الملك: أنشدني ما قلت في زينب فأنشده. فلما انتهى إلى قوله:
  ولما رأت ركب النميريّ أعرضت ... وكنّ من أن يلقينه حذرات
  قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميريّ؟ قال: أربعة أحمرة لي كنت أجلب قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميريّ؟ قال: أربعة أحمرة لي كنت أجلب عليها القطران، وثلاثة أحمرة صحبتي تحمل البعر. فضحك عبد الملك حتى استغرب ضحكا، ثم قال: لقد عظَّمت أمرك وأمر ركبك؛ وكتب له إلى الحجاج أن لا سبيل / له عليه. فلما أتاه بالكتاب وضعه ولم يقرأه، ثم أقبل على يزيد بن أبي مسلم فقال له: أنا بريء من بيعة أمير المؤمنين، لئن لم ينشدني ما قال في زينب لآتينّ على نفسه، ولئن أنشدني لأعفونّ عنه، وهو إذا أنشدني آمن.
  فقال له يزيد: ويلك! أنشده؛ فأنشده قوله:
  تضوّع مسكا بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوة خفرات
  فقال: كذبت واللَّه، ما كانت تتعطَّر إذا خرجت من منزلها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
  ولما رأت ركب النّميريّ راعها ... وكنّ من أن يلقينه حذرات
  قال له: حقّ لها أن ترتاع لأنها من نسوة خفرات صالحات. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
  مررن بفخّ رائحات عشية ... يلَّبين للرحمن معتمرات
  فقال: صدقت، لقد كانت حجّاجة صوّامة ما علمتها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
  يفّرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات(١)
  فقال له: صدفت، هكذا كانت تفعل، وهكذا المرأة الحرة المسلمة. ثم قال له: ويحك! إني أرى ارتباعك ارتياع مريب، وقولك قول بريء، وقد أمّنتك، ولم يعرض له. قال أبو زيد(٢): وقيل: / إنه طالب عريفه به وأقسم لئن لم يجئه به ليضربنّ عنقه، فجاءه به بعد هرب طويل منه؛ فخاطبه بهذه المخاطبة:
  من شعره في زينب:
  قال أبو زيد: وقال النّميريّ في زينب أيضا:
(١) تقدم هذا الشطر بغير هذه الرواية.
(٢) هو أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري، كان شاعرا إخباريا فقيها صادق اللهجة غير مدخول الرواية واسع الاطلاع. روى عن أبي عاصم النبيل ومحمد بن سلام الجمحي وهارون بن عبد اللَّه وإبراهيم بن المنذر وغيرهم. وله عدّة تصانيف ذكرها ابن النديم في «الفهرست»، ومنها كتاب «أخبار بني نمير». ولد سنة ١٧٣ هـ وتوفي بسر من رأى سنة ٢٦٣ هـ.