كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

19 - أخبار الأحوص مع أم جعفر

صفحة 466 - الجزء 6

  أنّ أمّ جعفر لمّا أكثر الأحوص في ذكرها جاءت منتقبة⁣(⁣١)، فوقفت عليه في مجلس قومه ولا يعرفها، وكانت امرأة عفيفة؛ فقالت له: اقض ثمن الغنم التي ابتعتها منّي؛ فقال: ما ابتعت منك شيئا. فأظهرت كتابا قد وضعته عليه / وبكت وشكت حاجة وضرّا وفاقة وقالت: يا قوم، كلَّموه. فلامه قومه وقالوا: اقض المرأة حقّها؛ فجعل يحلف أنه ما رآها قطَّ ولا يعرفها. فكشفت وجهها وقالت: ويحك! أما تعرفني! فجعل يحلف مجتهدا أنه ما يعرفها ولا رآها قطَّ. حتى إذا استفاض قولها وقوله واجتمع الناس وكثروا وسمعوا ما دار وكثر لغطهم وأقوالهم، قامت ثم قالت: أيها الناس، أسكتوا. ثم أقبلت عليه وقالت: يا عدوّ اللَّه! صدقت، واللَّه ما لي عليك حقّ ولا تعرفني، وقد حلفت على ذلك وأنت صادق، وأنا أمّ جعفر وأنت تقول: قلت لأمّ جعفر وقالت لي أم جعفر في شعرك! فخجل الأحوص وانكسر عن ذلك وبرئت عندهم.

  سمع أبو السائب المخزومي شعرا له فطرب:

  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير، وأخبرني به محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا ثعلب قال حدّثنا الزّبير عن عبد الملك بن عبد العزيز قال:

  أنشدت أبا السائب المخزوميّ قول الأحوص:

  لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وإنّي إلى معروفها لفقير

  / فلما انتهيت إلى قوله:

  أزور على أن لست أنفكّ كلَّما ... أتيت عدوّا بالبنان يشير

  أعجبه ذلك وطرب وقال: أتدري يا بن أخي كيف كانوا يقولون! الساعة دخل، الساعة خرج، الساعة مرّ، الساعة رجع، وجعل يومئ بإبهاميه إلى وراء منكبيه وبسبّابته⁣(⁣٢) إلى حيال وجهه ويقلبها، يحكي ذهابه ورجوعه.

  صوت من المائة المختارة

  صاح قد لمت ظالما ... فانظر ان كنت لائما

  هل ترى مثل ظبية ... قلَّدوها التمائما

  الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء في اللحن المختار لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وأخبرني ذكاء وجه الرزّة أن فيه لعريب رملا بالبنصر، وهو الذي فيه سجحة. وفيه لابن المكَّيّ خفيف ثقيل آخر بالوسطى. وزعم الهشاميّ أن فيه خفيف رمل بالوسطى لابن سريج، وقد سمعها⁣(⁣٣) ممن يغنّيه. وذكر حبش أنّ فيه رملا آخر للغريض. ولعاتكة بنت شهدة فيه خفيف ثقيل، وهو من جيّد صنعتها، وذكر جحظة عن أصحابه أن لحنها الرمل هو اللحن المختار، وأن إسحاق كان يقدّمها ويستجيدها⁣(⁣٤)، ويزعم أنه أخذه عنها. وقال


(١) انتقبت المرأة وتنقبت: وضعت النقاب على وجهها.

(٢) لعله: «وبسبابتيه ... ويقلبهما إلخ».

(٣) لعله: «وقد سمعه» أي اللحن.

(٤) في ح: «ويستجيده».