20 - ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه
  ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير يقولان: قال عبد اللَّه بن الزبير: أحاط بنا جرجير صاحب إفريقية وهو ملك إفرنجة في عشرين ألفا ومائة ألف ونحن في عشرين ألفا؛ فضاق بالمسلمين أمرهم واختلفوا في الرأي، فدخل عبد اللَّه بن سعد فسطاطه يخلو يفكَّر. قال عبد اللَّه بن الزبير: فرأيت عورة من جرجير والناس على مصافّهم، رأيته على برذون أشهب خلف أصحابه منقطعا منهم، معه جاريتان له تظلَّانه من الشمس بريش الطَّواويس. / فجئت فسطاط عبد اللَّه فطلبت الإذن عليه من حاجبه؛ فقال: إنه في شأنكم وإنه قد أمرني أن أمسك الناس عنه. قال: فدرت فأتيت مؤخّر فسطاطه فرفعته ودخلت عليه، فإذا هو مستلق على فراشه؛ ففزع وقال: ما الذي أدخلك عليّ يا بن الزبير؟ فقلت: إيه وإيه! كلّ أزبّ نفور(١)! إني رأيت عورة من عدوّنا فرجوت الفرصة فيه وخشيت فواتها، فأخرج فاندب الناس إليّ. قال:
  وما هي؟ فأخبرته؛ فقال: عورة لعمري! ثم خرج فرأى ما رأيت؛ فقال: أيها الناس، انتدبوا مع ابن الزبير إلى عدّوكم. فاخترت ثلاثين فارسا، وقلت: إني حامل فاضربوا عن ظهري فإني سأكفيكم من ألقى إن شاء اللَّه تعالى.
  فحملت في الوجه الذي هو فيه وحملوا فذبّوا عنّي حتى خرقتهم(٢) إلى أرض خالية، وتبيّنته فصمدت(٣) صمده؛ فو اللَّه ما حسب إلا أني رسول ولا ظنّ أكثر أصحابه إلا ذاك، حتى رأى ما بي من أثر السلاح، فثنى برذونه هاربا، فأدركته فطعنته فسقط، ورميت بنفسي عليه، واتّقت جاريتاه عنه السيف فقطعت يد إحداهما. وأجهزت عليه ثم رفعت رأسه في رمحي، وجال أصحابه وحمل المسلمون في ناحيتي وكبّروا فقتّلوهم كيف شاؤوا، وكانت الهزيمة.
  فقال لي عبد اللَّه بن سعد: ما أحد أحقّ بالبشارة منك، فبعثني إلى عثمان. وقدم مروان(٤) بعدي على عثمان / حين اطمأنّوا وباعوا المغنم وقسّموه.
  اشترى مروان خمس فيء إفريقية بمال فوضعه عنه عثمان:
  وكان مروان قد صفق(٥) على الخمس بخمسمائة ألف، فوضعها عنه عثمان، فكان ذلك مما تكلَّم فيه بسببه.
  فقال عبد الرحمن بن حنبل(٦) بن مليل - وكان هو وأخوه كلدة أخوي صفوان بن أميّة بن خلف لأمه، وهي صفيّة بنت معمر بن حبيب(٧) بن وهب بن حذافة بن جمح، وكان أبوهما ممن سقط من اليمن إلى مكة -:
  أحلف(٨) باللَّه جهد اليمي ... ن ما ترك اللَّه أمرا سدى
(١) الأزب من الإبل: الذي يكثر شعر حاجبيه، ولا يكون الأزب إلا نفورا لأن الريح تضربه فينفر. وهذا مثل يضرب في عيب الجبان.
قاله زهير بن جذيمة لأخيه أسيد وكان أزب جبانا، وكان خالد بن جعفر بن كلاب يطلبه بذحل، وكان زهير يوما في إبله يهنؤها ومعه أخوه أسيد، فرأى أسيد خالد بن جعفر قد أقبل في أصحابه فأخبر زهيرا بمكانهم فقال له زهير: كل أزب نفور. وإنما قال له هذا لأن أسيدا كان أشعر (عن «مجمع الأمثال» للميداني).
(٢) كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «حتى حزقتهم» وهو تصحيف. و «عبارة البيان المغرب في أخبار المغرب» لابن عذارى المراكشي: «خرقت صفوفهم ... إلخ».
(٣) صمد صمد الأمر: قصد قصده.
(٤) هو الخليفة مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الملك الخليفة، وهو ابن عم عثمان بن عفان ¥ وكاتبه؛ ومن أجله كان ابتداء فتنة عثمان ¥ وقتله. ثم انضم إلى ابن عمه معاوية ابن أبي سفيان وتولى عدة أعمال إلى أن وثب على الأمر بعد أولاد يزيد بن معاوية وبويع بالخلافة؛ فلم تطل مدته ومات في أول شهر رمضان سنة ٦٥ هـ.
(٥) الصفق: التبايع، وهو من صفق اليد على اليد عند وجوب البيع.
(٦) كذا في ح والاستيعاب في ترجمة عبد الرحمن بن حنبل وأخيه كلدة بن حنبل. وفي سائر الأصول: «حسان» وهو تحريف.
(٧) كذا في «الاستيعاب» و «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج ٥ ص ٣٣٢ في ترجمة صفوان بن أمية). وفي جميع الأصول: «خبيب» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف.
(٨) في «الاستيعاب» في ترجمة عبد الرحمن: «وأحلف» وفي «البيان المغرب»: «سأحلف».