كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

20 - ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه

صفحة 475 - الجزء 6

  طلب المنصور قصيدته العينية فلم يعرفها أحد من أهله وعرفها مؤدب فأجازه:

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني أحمد بن عمر النحويّ قال حدّثني أبي عن الهيثم بن عديّ عن ابن عياش قال:

  لما مات جعفر بن المنصور الأكبر مشى المنصور في جنازته من المدينة⁣(⁣١) إلى / مقابر قريش⁣(⁣٢)، ومشى الناس أجمعون معه حتى دفنه، ثم انصرف إلى قصره. ثم أقبل على الربيع⁣(⁣٣) فقال: يا ربيع، انظر من في أهلي ينشدني:

  أمن المنون وريبها تتوجّع

  حتى أتسلَّى بها عن مصيبتي. قال الربيع: فخرجت إلى بني هاشم وهم بأجمعهم حضور، فسألتهم عنها، فلم يكن فيهم أحد يحفظها، فرجعت فأخبرته؛ فقال: واللَّه لمصيبتي بأهل بيتي ألَّا يكون فيهم أحد يحفظ هذا لقلَّة رغبتهم في الأدب أعظم وأشدّ عليّ من مصيبتي بابني. ثم قال: انظر هل في القوّاد والعوامّ من الجند من يعرفها، فإني أحبّ أن أسمعها من إنسان ينشدها. فخرجت فاعترضت الناس فلم أجد أحدا ينشدها إلا شيخا كبيرا مؤدّبا قد انصرف من موضع تأديبه، فسألته: هل تحفظ شيئا من الشعر؟ فقال: نعم، شعر أبي ذؤيب. فقلت: أنشدني. فابتدأ هذه القصيدة العينيّة. فقلت له: أنت بغيتي. ثم أوصلته إلى المنصور فاستنشده إياها. فلما قال:

  والدهر ليس بمعتب⁣(⁣٤) من يجزع

  قال: صدق واللَّه، فأنشدني هذا البيت مائة مرّة ليتردّد هذا المصراع عليّ؛ فأنشده، ثم مرّ فيها. فلما انتهى إلى قوله:

  والدهر لا يبقى على حدثانه ... جون السّراة له جدائد⁣(⁣٥) أربع

  / قال: سلا⁣(⁣٦) أبو ذؤيب عند هذا القول. ثم أمر الشيخ بالانصراف. فاتّبعته فقلت له: أأمر لك أمير المؤمنين بشيء؟ فأراني صرّة في يده فيها مائة درهم.

  خانه خالد بن زهير في امرأة يهواها كان خان هو فيها عويم بن مالك:

  حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ قال:

  كان أبو ذؤيب الهذليّ يهوى امرأة يقال لها أم عمرو، وكان يرسل إليها خالد⁣(⁣٧) بن زهير فخانه فيها، وكذلك


(١) يريد بغداد.

(٢) مقابر قريش ببغداد: مقبرة مشهورة ومحلة فيها خلق كثير وعليها سور بين الحربية ومقبرة أحمد بن حنبل ¥ والحريم الطاهري، وبينها وبين دجلة شوط فرس جيد، وهي التي فيها قبر موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان جعفر الأكبر هو أول من دفن بها، والمنصور أول من جعلها مقبرة لما ابتنى بها مدينته سنة ١٤٦ هـ.

(٣) هو الربيع بن يونس مولى المنصور.

(٤) أعتبه: رجع إلى ما يرضيه وترك ما يسخطه.

(٥) جون السراة: أسود الظهر أو أبيضه، فإن الجون يطلق على الأسود والأبيض. ويريد بجون السراة حمارا. والجدائد: الأتن، واحدها جدود (بفتح أوله) وهي التي لا لبن لها.

(٦) كذا في أ، ء، م. وفي ب، ح: «سلا أبو ذؤيب عن هذا القول». وفي س: «سل أبا ذؤيب عن هذا القول».

(٧) هو خالد بن زهير الهذلي، وكان ابن أخت أبي ذؤيب، وقيل: ابن أخيه.