كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

20 - ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه

صفحة 476 - الجزء 6

  كان أبو ذؤيب فعل برجل يقال له عويم⁣(⁣١) بن مالك بن عويمر وكان رسوله إليها. فلما علم أبو ذؤيب بما فعل خالد ضرمها. فأرسلت تترضّاه، فلم يفعل، وقال فيها:

  تريدين كيما تجمعيني وخالدا ... وهل يجمع السيفان ويحك في غمد

  أخالد ما راعيت منّي⁣(⁣٢) قرابة ... فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي⁣(⁣٣)

  دعاك إليها مقلتاها وجيدها ... فملت كما مال المحبّ على عمد

  وكنت كرقراق السّراب إذا بدا ... لقوم وقد بات المطيّ بهم يخدي⁣(⁣٤)

  فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة ... تكون وإياها بها مثلا بعدي

  / غنّاه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر. الغيب: السرّ. والرقراق: الجاري. ويروى: «أحذو قصيدة». فمن قال: «أحذو» بالذال المعجمة أراد أصنع، ومن قال: «أحدو» أراد أغنّي.

  وقال أبو ذؤيب في ذلك:

  وما حمّل البختيّ عام غياره⁣(⁣٥) ... عليه الوسوق⁣(⁣٦) برّها وشعيرها

  أتى قرية كانت كثيرا طعامها ... كرفغ⁣(⁣٧) التراب كلّ شيء يميرها

  - الرفغ من التراب: الكثير اللين -.

  فقيل تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة⁣(⁣٨) من يأتها لا يضيرها

  بأعظم⁣(⁣٩) مما كنت حمّلت خالدا ... وبعض أمانات الرجال غرورها

  ولو أنني حمّلته البزل ما مشت ... به البزل حتى تتلئبّ صدورها

  - تتلئب: تستقيم وتنتصب وتمتدّ وتتتابع⁣(⁣١٠) -:

  خليلي الذي دلَّى⁣(⁣١١) لغيّ خليلتي ... جهارا فكلّ قد أصاب عرورها⁣(⁣١٢)


(١) كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «عويمر». وقد أورد ابن قتيبة هذه القصة في كتابه «طبقات الشعراء» (ص ٤١٣ - ٤١٤) وذكر أن الرجل الذي خانه أبو ذؤيب في هذه المرأة هو ابن عم له يقال له مالك بن عويمر. وأوردها البغدادي في كتابه «خزانة الأدب» (ج ٢ ص ٣١٦، ج ٣ ص ٥٩٧، ٦٤٨) في تفصيل كثير، فذكر في موضع أنه يقال له مالك بن عويمر، كما ذكره ابن قتيبة، وفي موضع آخر أنه يقال له وهب بن جابر، وذكر سبب تعلقه بها وجفائها له بعد. واستطرد في القصة حتى أتى على خبر مقتل خالد بن زهير.

(٢) كذا في «شرح ديوانه» و «الشعر والشعراء». وفي الأصول: «من ذي قرابة».

(٣) أراد: فتحفظني بالغيب أو في بعض ما تظهر من المودة والإخاء.

(٤) كذا في ح وديوانه. وخدي البعير والفرس خديا وخديانا: أسرع وزج بقوائمه. وفي سائر الأصول: «يحدى» (بالحاء المهملة) وهو تصحيف.

(٥) الغيار (بالكسر): مصدر غارهم يغيرهم إذا ما رهم أي أتاهم بالميرة.

(٦) الوسوق: جمع وسق (بالفتح)، وهو حمل البعير، وقيل: الحمل عامة.

(٧) في جميع الأصول: «كرقع» (بالقاف والعين المهملة). والتصويب عن شرح ديوانه.

(٨) يريد أن هذه القرية مملوءة بالطعام، فكنى عن ذلك بأنها مطبعة أي مختومة لأن الختم إنما يكون غالبا بعد الملء.

(٩) في ديوانه: «بأثقل».

(١٠) لعلها «وتتتايع» بالياء المثناة التحتية. يقال: تتتايع الجمل في مشيه إذا حرك ألواحه حتى يكاد ينفك.

(١١) دلى فلان فلانا في الشرّ: أوقعه وصيره فيه.

(١٢) العرور: المعرة والعيب.