22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه
  أخبره إبراهيم بن المهدي بموت أمه كذبا ليحسن غناؤه:
  قال هارون بن محمد وحدّثني الحسن بن محمد الغياثيّ(١) قال حدّثني أبي عن القطرانيّ قال:
  كان ابن جامع بارّا بوالدته، وكانت مقيمة بالمدينة وبمكة. فدعاه إبراهيم بن المهديّ وأظهر له كتابا إلى أمير المؤمنين فيه نعي والدته. قال: فجزع لذلك جزعا شديدا، وجعل أصحابه يعزّونه ويؤنسونه؛ ثم جاؤوا بالطعام فلم يتركوه حتى طعم وشرب، وسألوه الغناء فامتنع. فقال له إبراهيم بن المهدي: إنك ستبذل هذا لأمير المؤمنين، فابذله لإخوانك؛ فاندفع يغنّي:
  صوت
  كم بالدّروب وأرض الروم من قدم ... ومن جماجم صرعى ما بها قبروا(٢)
  بقندهار(٣) ومن تقدر منيّته ... بقندهار يرجّم دونه الخبر
  - الشعر ليزيد(٤) بن مفرّغ الحميريّ. والغناء لابن جامع رمل. وفيه لابن سريج خفيف رمل جميعا عن الهشاميّ - قال: وجعل إبراهيم يستردّه حتى صلح(٥) له. ثم قال: لا واللَّه ما كان ممّا خبّرناك شيء إنما مزحنا بك.
  قال: ثم قال له: ردّ الصوت؛ فغنّاه فلم يكن من الغناء الأوّل في شيء. فقال له إبراهيم: خذه الآن على، فأدّاه إبراهيم على السماع الأوّل. فقال له ابن جامع: أحبّ أن تطرحه أنت على كذا.
  هوّم في مجلس الرشيد ثم انتبه من نومه وغناه فأحجب به:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني علي بن الحسن الشّيبانيّ عن أحمد بن يحيى المكيّ قال:
  كان أبي بين يدي الرشيد وابن جامع معه يغنّي بين يدي الرشيد. فغنّاه:
  خليفة لا يخيب سائله ... عليه تاج الوقار معتدل(٦)
  / قال: وغنّى من يتلوه، وهوّم ابن(٧) جامع سكرا ونعاسا. فلما دار الغناء على أصحابه وصارت النوبة إليه، حرّكه من بجنبه لنوبته فانتبه وهو يغنّي:
(١) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «العتابي».
(٢) كذا في أكثر الأصول هنا و «نهاية الأرب» (ج ٤ ص ٣٢٤ طبع دار الكتب المصرية). وجميع الأصول فيما يأتي. وفي ب، س هنا:
«ما هم قبروا». ورواية هذا البيت في «معجم البلدان» في الكلام على قندهار:
كم بالجروم وأرض الهند من قدم ... ومن سرابيل قتلى ليتهم قبروا
والقدم: الشجاع. يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع. وجماجم القوم: ساداتهم ورؤساؤهم.
(٣) قندهار: مدينة كبيرة بالقرب من كابل، عاصمة أفغانستان الآن.
(٤) هو يزيد بن ربيعة ابن مفرغ (كمحدث) الحميري، وقيل: يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ. وكان حليفا لآل خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وهو عم السيد الحميري. ويقال: إن جده راهن على أن يشرب سقاء لبن كله فشربه حتى فرغه، فلقب مفرغا.
(انظر ترجمته في «الأغاني» ج ١٧ ص ٥١ طبع بولاق).
(٥) كذا في الأصول. ولعله «حتى صح له».
(٦) في ح، ء، م: «يعتدل».
(٧) هوّم الرجل: هز رأسه من النعاس، وقيل: نام قليلا.