22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه
  - الشعر لعبيد بن الأبرص. والغناء لابن جامع ثاني ثقيل من أصوات قليلات الأشباه، عن إسحاق. وفيه لابن محرز ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن بانة. وذكر يونس أن فيه لحنا لمعبد ولم يجنّسه. وفيه لحكم هزج بالوسطى عن عمرو والهشاميّ. ولمخارق في هذه الأبيات رمل بالبنصر عن الهشاميّ. وذكر حبش أن الثقيل الأوّل للغريض.
  وذكر الهشاميّ أن لمتيّم فيها ثاني ثقيل بالوسطى - قال: فقالت أمّ جعفر للرشيد: ما أحسن ما اشتهيت واللَّه يا أمير المؤمنين!. ثم قالت لمسلم خادمها: ادفع إلى ابن جامع لكل بيت مائة ألف درهم. فقال الرشيد: غلبتنا يا بنت أبي(١) الفضل وسبقتنا إلى برّ ضيفنا وجليسنا. فلما خرج، حمل إليها مكان كلّ درهم دينارا.
  أخذ صوتا من جارية بثلاثة دراهم فأخذ به من الرشيد ثلاثة آلاف دينار:
  أخبرنا أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال أخبرني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدّثني محمد بن ضوين الصّلصال التّيميّ قال حدّثني إسماعيل بن جامع السّهميّ قال:
  ضمّني الدهر(٢) ضمّا شديدا بمكة، فانتقلت منها بعيالي إلى المدينة، فأصبحت يوما وما أملك إلا ثلاثة دراهم. فهي في كمّي إذا أنا بجارية حميراء على رقبتها جرّة تريد الَّركيّ(٣) تسعى بين يديّ وترنّم بصوت شجيّ تقول:
  شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
  وذاك لأنّ النوم يغشى عيونهم ... سراعا وما يغشى لنا النوم أعينا
  / إذا ما دنا الليل المضرّ(٤) لذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا
  فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
  قال: فأخذ الغناء بقلبي ولم يدر لي منه حرف. فقلت: يا جارية، ما أدري أوجهك أحسن أم غناؤك! فلو شئت أعدت؛ قالت: حبّا وكرامة. ثم أسندت ظهرها إلى جدار قرب منها ورفعت إحدى رجليها فوضعتها على الأخرى، ووضعت الجرّة على ساقيها ثم انبعثت تغنّيه؛ فو اللَّه ما دار لي منه حرف؛ فقلت: أحسنت! فلو شئت أعدتيه مرّة أخرى! ففطنت وكلحت وقالت: ما أعجب أمركم! أحدكم لا يزال يجيء إلى الجارية عليها الضّريبة فيشغلها! فضربت بيدي إلى الثلاثة الدراهم فدفعتها إليها، وقلت: أقيمي بها وجهك اليوم إلى أن نلتقي. قال:
  فأخذتها كالكارهة وقالت: أنت الآن تريد أن تأخذ منّي صوتا أحسبك ستأخذ به ألف / دينار وألف دينار وألف دينار. قال: وابنعثت تغنّي؛ فأعملت فكري في غنائها حتى دار لي الصوت وفهمته، وانصرفت مسرورا إلى منزلي أردّده حتى خفّ على لساني. ثم إني خرجت أريد بغداد فدخلتها، فنزل بي المكاري على باب(٥) محوّل؛ فبقيت لا أدري أين أتوجّه ولا من أقصد. فذهبت أمشي مع الناس، حتى أتيت الجسر فعبرت معهم، ثم انتهيت إلى شارع المدينة، فرأيت مسجدا بالقرب من دار الفضل بن الربيع مرتفعا؛ فقلت: مسجد قوم سراة؛ فدخلته، وحضرت صلاة
(١) كذا في الأصول. والمعروف أن أم جعفر هي زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي، وأن جعفرا أباها ولد إبراهيم وزبيدة وجعفرا وعيسى وعبيد اللَّه وصالحا ولبانة. (انظر «المعارف» لابن قتيبة ص ١٩٢).
(٢) يريد ضغطني واشتد عليّ، من شدّة الفقر والحاجة.
(٣) الركي: جنس للركية وهي البئر.
(٤) كذا في ب، س هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول. وفي أ، م هنا: «المبير» وفيء: «المبيد».
(٥) باب محول: محلة كبيرة من محال بغداد كانت متصلة بالكرخ.