كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه

صفحة 517 - الجزء 6

  أبي اللَّه أن أمسي ولا تذكرينني ... وعيناي من ذكراك قد ذرفت دما

  أبيت فما تنفكّ لي منك حاجة ... رمى اللَّه بالحبّ الذي كان أظلما

  / - غنّاه سياط خفيف ثقيل أوّل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة - قال: ثم أخذت قربتها لتمضي. فاستفزّني من شهوة الصوت ما لا قوام لي به، فنزلت إليها فقلت لها: أعيديه. فقالت: أنا عنك في شغل بخراجي. قلت: وكم هو؟ قالت: درهمان في كل يوم. قلت: فهذان درهمان، وردّيه عليّ حتى آخذه منك، وأعطيتها درهمين؛ فقالت: أمّا الآن فنعم. فجلست، فلم تبرح حتى أخذته منها وانصرفت؛ فلهوت يومي به، وأصبحت من غد لا أذكر / منه حرفا، فإذا أنا بالسوداء قد طلعت ففعلت كفعلها بالأمس. فلما وضعت القربة تغنّت غيره، فعدوت في أثرها وقلت: يا جارية، بحقّي عليك ردّي عليّ الصوت فقد ذهبت عنّي منه نغمة. فقالت: لا واللَّه، ما مثلك تذهب عنه نغمة، أنت تقيس أوّله على آخره، ولكنك قد أنسيته، ولست أفعل إلا بدرهمين آخرين.

  فدفعتهما إليها وأعادته عليّ حتى أخذته ثانية. ثم قالت: إنّك تستكثر فيه أربعة دراهم، وكأني بك قد أصبت به أربعة آلاف دينار. فكنت عند هارون يوما وهو على سريره؛ فقال: من غنّاني فأطربني فله ألف دينار، وقدّامه أكياس في كل كيس ألف دينار. فغنّى القوم وغنّيت فلم يطرب، حتى دار الغناء إليّ ثانية فغنّيت صوت السوداء؛ فرمى إليّ بكيس فيه ألف دينار، ثم قال: أعده فغنّيته؛ فرمى إليّ بثان ثم قال: أعده فرمى إليّ بثالث وأمسك. فضحكت؛ فقال: ما يضحكك؟ فقلت: لهذا الصوت حديث عجيب يا أمير المؤمنين. فقال: وما هو؟ فحدّثته به وقصصت عليه القصّة؛ فرمى إليّ برابع وقال: لا نكذّب قولها.

  خبر

  عوجي عليّ فسلَّمي جبر

  الشعر للعرجيّ وقد ذكرنا نسبة الصوت.

  قصة عمر بن عبد العزيز مع مخنث بلغه عنه أنه أفسد نساء المدينة:

  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الواقديّ عن ابن أبي الزّناد قال حدّثني محمد بن إسحاق قال:

  قيل لعمر بن عبد العزيز: إن بالمدينة مخنّثا قد أفسد نساءها فكتب إلى عامله بالمدينة أن يحمله. فأدخل عليه، فإذا شيخ خضيب اللَّحية والأطراف معتجر بسبنيّة⁣(⁣١) قد حمل دفّا في خريطته. فلما وقف بين يدي عمر صعّد بصره فيه وصوّبه وقال: سوأة لهذه الشّيبة وهذه القامة! أتحفظ القرآن؟ قال: لا واللَّه يا أبانا؛ قال: قبّحك اللَّه! وأشار إليه من حضره فقالوا: اسكت فسكت. فقال له عمر: أتقرأ من المفصّل شيئا؟ قال: وما المفصّل؟ قال:

  ويلك! أتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم، أقرأ {الْحَمْدُ لِلَّه ِ} وأخطئ فيها في موضعين أو ثلاثة، وأقرأ {قُلْ أَعُوذُ


(١) كذا في ح. والسبنية: منسوبة إلى سبن (بالتحريك): بلدة ببغداد؛ وهي إزار أسود متخذ من الحرير يلبسه النساء. وفي ب، س:

«بسبتية» (بالتاء المثناة). وفي سائر الأصول «بسنية» وكلاهما تحريف.