كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

23 - ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه

صفحة 522 - الجزء 6

  قال: فسمعوا هاتفا يقول لما احترقت الغيضة:

  ويل لحرب فارسا ... مطاعنا مخالسا

  ويل لعمرو فارسا ... إذ لبسوا القوانسا⁣(⁣١)

  لنقتلن بقتله ... جحا جحا عنابسا

  ولم يلبث حرب بن أميّة ومرداس بن أبي عامر أن ماتا. فأمّا مرداس فدفن بالقريّة. ثم ادّعاها بعد ذلك كليب بن أبي عهمة⁣(⁣٢) السّلميّ ثم الظَّفريّ. فقال في ذلك عبّاس بن مرداس:

  /

  أكليب مالك كلّ يوم ظالما ... والظلم أنكد وجهه ملعون

  قد كان قومك يحسبونك سيّدا ... وإخال أنك سيّد معيون

  / - المعيون: الذي أصابته العين، وقيل: المعيون: الحسن المنظر فيما تراه العين ولا عقل له -:

  فإذا رجعت إلى نسائك فادّهن ... إن المسالم رأسه مدهون

  وافعل بقومك ما أراد بوائل ... يوم الغدير⁣(⁣٣) سميّك المطعون

  وإخال أنك سوف تلقى مثلها ... في صفحتيك سنانها المسنون

  إن القريّة قد تبيّن أمرها ... إن كان ينفع عندك التّبيين

  حيث انطلقت تخطَّها لي ظالما ... وأبو يزيد بجوّها مدفون

  أبو يزيد: مرداس بن أبي عامر.

  منزلته في قريش وفقء عينيه:

  وكان أبو سفيان سيّدا من سادات قريش في الجاهليّة ورأسا من رؤوس الأحزاب على رسول اللَّه في حياته وكهفا للمنافقين في أيامه، وأسلم يوم الفتح. وله في إسلامه أخبار نذكرها هنا. وكان تاجرا يجهّز التجار بماله وأموال قريش إلى أرض العجم. وشهد مع رسول اللَّه مشاهدة الفتح، وفقئت عينه يوم الطائف⁣(⁣٤)، فلم يزل أعور إلى يوم اليرموك⁣(⁣٥)، ففقئت عينه الأخرى يومئذ فعمي.

  مازح رسول اللَّه في بيت بنته أم حبيبة:

  أخبرنا الطَّوسيّ والحرميّ قالا حدّثنا الزبير بن بكَّار قال حدّثني عليّ بن صالح عن جدّي عبد اللَّه بن مصعب عن إسحاق بن يحيى المكيّ عن أبي الهيثم عمّن أخبره:


(١) القوانس: جمع قونس، وهو أعلى البيضة. وفي «معجم ما استعجم»: «القلانسا».

(٢) في «معجم ما استعجم» للبكري: «كليب بن عيهة». وفيما مر في جميع الأصول (ج ٥ ص ٣٨ من هذه الطبعة) و «النقائص» (ص ٩٠٧ طبع أوروبا): «كليب بن عهمة».

(٣) يشير إلى تحكم كليب في موارد الماء ونفيه بكر بن وائل عنها حتى كاد يقتلهم عطشا. (راجع الكلام على ذلك مفصلا في الجزء الخامس من هذه الطبعة ص ٣٦ - ٣٧).

(٤) يعني غزوة الطائف وفيها رماه سعيد بن عبيد الثقفي فأصاب عينه. (انظر «المواهب اللدنية» ج ٣ ص ٣٩ - ٤٠ طبع بولاق).

(٥) اليرموك: واد بناحية الشام في طرف الغور يصب في نهر الأردن ثم يمضي إلى البحيرة المنتنة. كانت به حرب بين المسلمين والروم في أيام أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ®.