كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

23 - ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه

صفحة 525 - الجزء 6

  بيته يقول ما يقول فهو يتشبّه به؟ قال: قلت لا. قال: هل كان له فيكم ملك فسلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه؟ قال: قلت لا. قال: أخبرني عن أتباعه منكم من هم؟ قال: قلت: الضعفاء والمساكين والأحداث من الغلمان والنساء، فأمّا ذوو الأسنان من الأشراف من قومه فلم يتبعه منهم أحد. قال: فأخبرني عمّن يتبعه أيحبّه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟ قال: قلت: قلَّما يتبعه أحد فيفارقه. قال: فأخبرني كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: قلت:

  سجال يدال علينا وندال عليه. قال: فأخبرني هل يغدر؟ فلم أجد شيئا سألني عنه أغتمز فيه غيرها. قال: قلت: لا، ونحن منه في مدّة⁣(⁣١) ولا نأمن غدره. قال: فو اللَّه ما التفت إليها منّي. ثم كرّر عليّ الحديث فقال: سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنه محض من أوسطكم نسبا؛ فكذلك يأخذ اللَّه النبيّ لا يأخذه إلا من أوسط قومه نسبا. وسألتك هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل قوله فهو / يتشبّه به، فزعمت أن لا. وسألتك هل كان له ملك فيكم فسلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث يطلب ملكه، فزعمت أن لا. وسألتك عن أتباعه، فزعمت أنهم الضعفاء والأحداث والمساكين والنّساء، وكذلك أتباع الأنبياء في كل زمان. وسألتك عمّن يتبعه أيحبّه ويلزمه أم يقليه ويفارقه، فزعمت أنه لا يتبعه أحد فيفارقه، فكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلب رجل فتخرج منه، وسألتك عن الحرب بينكم وبينه فزعمت أنها سجال تدالون عليه ويدل عليكم، وكذلك حرب الأنبياء، ولهم تكون العاقبة. وسألتك هل يغدر، فزعمت أن لا. فلئن كنت صدقتني عنه فليغلبنّ عليّ ما تحت قدميّ هاتين، ولوددت أنّي عنده فأغسل قدميه! انطلق لشأنك. فقمت من عنده وأنا أضرب بإحدى يديّ على الأخرى وأقول: يا لعباد اللَّه! لقد أمر⁣(⁣٢) أمر ابن أبي كبشة⁣(⁣٣)! أصبحت ملوك بني الأصفر⁣(⁣٤) يهابونه في ملكهم وسلطانهم.

  كتاب رسول اللَّه إلى هرقل وما كان بين هرقل وبطارقته:

  قال ابن إسحاق: فقدم عليه كتاب رسول اللَّه مع دحية⁣(⁣٦) بن خليفة الكلبيّ، فيه:

  «. من محمد رسول اللَّه () إلى هرقل عظيم الروم. السلام على من اتّبع الهدى.

  أمّا بعد، فأسلم تسلم يؤتك اللَّه أجرك مرّتين، وإن تتول⁣(⁣٦) فإن إثم الأكابر عليك «(⁣٧).

  / قال ابن شهاب: فأخبرني أسقفّ النصارى في زمن عبد الملك زعم أنه أدرك ذلك من أمر رسول اللَّه وأمر هرقل وعقله⁣(⁣٨)، قال: فلمّا قدم عليه كتاب رسول اللَّه من قبل دحية بن خليفة، أخذه هرقل فجعله بين


(١) في مدة: يعني بها مدّة صلح الحديبية. وذلك أن النبي ذهب إلى مكة حاجا فتعرضت له قريش فأوقع بينه وبينهم صلحا على أن توضع الحرب بينهم عشر سنين وأن يرجع عنهم عامهم هذا. وقيل: يعني بالمدة انقطاعه وغيبته عن أبي سفيان. (راجع «شرح القسطلاني» على البخاري ج ١ ص ١٠٠) طبع بولاق.

(٢) أمر: عظم.

(٣) أبو كبشة: رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان وعبد الشعري العبور؛ فسمى المشركون النبي ابن أبي كبشة لخلافه إياهم إلى عبادة اللَّه تعالى تشبيها له بأبي كبشة الذي خالفهم إلى عبادة الشعري. وقال آخرون: أبو كبشة كنية وهب بن عبد مناف جد سيدنا رسول اللَّه من قبل أمه فنسب إليه لأنه كان نزع إليه في الشبه. وقيل فيه غير ذلك (راجع «اللسان» مادة كبش).

(٤) بنو الأصفر: لقب ملوك الروم.

(٥) هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد الكلبي الصحابي المشهور، وهو الذي كان جبريل # يأتي في صورته، وكان من أجمل الناس وأحسنهم صورة.

(٦) في «صحيح مسلم» و «البخاري»: «فإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين» (هم الفلاحون والزراعون).

(٧) قد ورد هذا الكتاب بإسهاب في البخاري ومسلم فانظره فيهما.

(٨) في الأصول: ... وعقله. فلما قدم عليه ... قال أخذه هرقل». فوضعت كلمة «قال» في الأصول في غير موضعها.