23 - ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه
  فخذيه وخاصرته، ثم كتب إلى رجل برومية(١) كان يقرأ العبرانيّة ما تقرؤونه، فذكر له أمره ووصف له شأنه وأخبره بما جاء منه. فكتب إليه صاحب رومية: إنه النبيّ الذي كنّا ننتظره لا شكّ فيه، فاتّبعه وصدّقه. قال: فأمر هرقل ببطارقة الرّوم فجمعوا له في دسكرة(٢) ملكه، وأمر بها فأغلقت عليهم أبوابها، ثم اطَّلع عليهم من علَّيّة وخافهم على نفسه فقال: يا معشر الرّوم، قد جمعتكم لخبر، أتاني كتاب هذا الرجل يدعو إلى دينه، فو اللَّه إنّه النبيّ الذي كنّا ننتظره ونجده في كتابنا؛ فهلمّ فلنبايعه ولنصدّقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا. قال: فنخرت(٣) الروم نخرة رجل واحد وابتدروا أبواب الدّسكرة / ليخرجوا فوجدوها قد أغلقت دونهم. فقال: كرّوهم عليّ وخافهم على نفسه؛ فكرّوهم عليه. فقال: يا معشر الرّوم، إنما قلت لكم المقالة التي قلت لأنظر كيف صلابتكم في دينكم في هذا الأمر الذي قد حدث؛ فقد رأيت منكم الذي أسرّ به؛ فخرّوا سجّدا. وأمر بأبواب الدّسكرة ففتحت لهم فانطلقوا.
  حديثه مع العباس حين بلغتهما بعثة النبيّ ﷺ وهما باليمن وحديث الحبر اليهودي معهما:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن زكريا الغلابيّ قال حدّثني أبو بكر الهذليّ عن عكرمة عن ابن عباس قال قال لي العبّاس:
  خرجت في تجارة إلى رجل في ركب منهم أبو سفيان بن حرب، فقدمت اليمن. فكنت أصنع يوما طعاما وأنصرف بأبي سفيان وبالنّفر، ويصنع أبو سفيان يوما / فيفعل مثل ذلك. فقال لي في يومي الذي كنت أصنع فيه:
  هل لك يا أبا الفضل أن تنصرف إلى بيتي وترسل إلى غدائك؟ فقلت: نعم. فانصرفت أنا والنّفر إلى بيته وأرسلت إلى الغداء. فلما تغدّى القوم قاموا واحتبسني فقال لي: هل علمت يا أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول اللَّه؟
  قلت: وأيّ بني أخي؟ قال أبو سفيان: إيايّ تكتم! وأيّ بني أخيك ينبغي له أن يقول هذا إلا رجل واحد! قلت:
  وأيّهم هو على ذلك؟ قال: محمد بن عبد اللَّه. قلت: ما فعل! قال: بلى قد فعل. ثم أخرج إليّ كتابا من ابنه حنظلة بن أبي سفيان: إني أخبرك أن محمدا قام بالأبطح(٤) غدوة فقال: أنا رسول اللَّه أدعوكم إلى اللَّه. قال: قلت:
  يا أبا حنظلة، لعلَّه صادق. قال: مهلا يا أبا الفضل، فو اللَّه ما أحبّ أن تقول مثل هذا، وإني لأخشى أن تكون على بصر من هذا الأمر - وقال الحسن بن عليّ في روايته: على بصيرة من هذا الحديث - ثم قال: يا بني عبد المطَّلب، إنه واللَّه ما برحت قريش تزعم أن لكم يمنة وشؤمة كلّ واحدة منهما عامّة، فنشدتك اللَّه يا أبا الفضل هل سمعت ذلك؟ قلت نعم. قال: فهذه واللَّه إذا شؤمتكم. قلت: فلعلَّها يمنتنا. فما كان بعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد اللَّه بن حذافة السّهميّ بالخبر وهو مؤمن، ففشا ذلك في مجالس أهل اليمن يتحدّث به فيها. وكان أبو سفيان يجلس إلى حبر من أحبار اليمن؛ فقال له اليهوديّ: ما هذا الخبر الذي بلغني؟ قال: هو ما سمعت. قال: أين فيكم عمّ هذا الرجل الذي قال ما قال؟ قال أبو سفيان: صدقوا وأنا عمّه. قال اليهوديّ: أأخو أبيه؟ قال نعم. قال: حدّثني عنه.
  قال: لا تسألني، فما كنت أحسب أن يدّعي هذا الأمر أبدا، وما أحبّ أن أعيبه، وغيره خير منه. قال اليهوديّ:
  فليس به أذى، ولا بأس على يهود وتوراة موسى منه. قال العباس: فتأدّى إليّ الخبر فحميت، وخرجت حتى أجلس
(١) رومية: هي عاصمة إيطاليا الآن.
(٢) الدسكرة: بناء على هيئة القصر فيه منازل وبيوت للخدم والحشم.
(٣) نخر: مدّ الصوت من خياشيمه.
(٤) أبطح مكة: مسيل واديها.